الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في الرجل يكاتب جماعة عبيد

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يكاتب جماعة عبيد : فقالت طائفة : يكون بعضهم حملا عن بعض . وممن قال ذلك مالك بن أنس ، قال مالك في الرجل يكاتب رقيقا له جميعا لا رحم بينهم يتوارثون بها قال : هم حملاء بعضهم على بعض ولا يعتق أحدهم دون أحد حتى يؤدوا الكتابة جميعا ، فإن هلك بعضهم وترك مالا هو أكثر من جميع ما عليهم أدى عنهم من جميع ذلك المال ما بقي عليهم ، وكان فضل المال لسيده ، وكان ما أدى عنهم من جميع ذلك المال دينا لسيد المكاتب عليهم يتبعهم به ، وكذلك لو عجزوا عن السعي فسعى واحد منهم حتى يعتقوا بسعيه كان ما أدى عنهم دينا عليهم يتبعهم به . [ ص: 540 ]

                                                                                                                                                                              وقال مالك : ولو كانوا خمسة [فعجز] أربعة وقوي واحد كان مملوكا إلا أن يؤدي عنهم في جميع الكتابة التي كان معهم فيها ، وإن كان للمكاتب الذي هلك قبل أن يؤدي كتابته ولد أحرار لم يرثوه ، لأنه لم يعتق حتى مات المكاتب ، فالمكاتب إذا هلك وترك فضلا عن كتابته وله ولد أحرار (لم) يرثوه [وإنما يرثوه] بنوه الذين في كتابته معه الذين إذا ماتوا ورثهم وإذا مات ورثوه على كتاب الله ، لأن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : الإخوة بمنزلة الولد إذا [كوتبوا] جميعا في كتابة واحدة إذا لم يكن لواحد منهم ولد كاتب عليه أو ولد في كتابته أو كاتب ثم هلك أحدهم وترك مالا أدي عنهم جميع ما عليهم من كتابتهم وعتقوا ، وكان فضل المال بعد ذلك [لولده] دون إخوته .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا أن العبيد إذا كاتبوا جميعا كتابة واحدة فإن بعضهم حملا عن بعض ، فإن قال أحدهم : قد عجزت وألقى بيديه ، (كان) لأصحابه أن يستعملوه فيما يطيق من العمل حتى يعتق بعتاقهم إن عتقوا ، ويرق برقهم إن رقوا . [ ص: 541 ]

                                                                                                                                                                              وقال ابن القاسم : سئل مالك عن الرجل يكاتب العبدين كيف تكون الكتابة عليهما ؟ قال : يوضع على كل واحد منهما على قدر اجتهاده وأدائه في ذلك . قال : وقال مالك في القوم يكاتبون جميعا فيؤدي عنهم رجل منهم أترى أن يتبعهم الذي أدى عنهم قال : (أرى) في ذلك أنهم إن كانوا إخوة أو ولدا أو ذي رحم لم أر أن يرجع عليهم وإن كانوا غير ذلك رأيت أن يرجع عليهم .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان (الثوري ) في رجل كاتب رقيقا له على ألف درهم : (هو) عليهم جميعا من مات منهم سعى به الآخر ، إلا أن يقوم كل إنسان منهم بالذي عليه إن أعتق منهم إنسانا قوم بقيمة ثم أسقط عنهم يوم كوتبوا . وقال إبراهيم النخعي : إذا كاتب قوم جميعا مكاتبة واحدة فمن مات منهم كان حصته على الحي منهم ، وقال : إذا كتب حيهم عن ميتهم ضمن بعضهم عن بعض .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : لا يجوز أن يكون بعضهم ضمنا عن بعض . هذا قول عطاء ، وسليمان بن موسى ، والشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال ابن جريج : قلت لعطاء : كاتبت عبدين لي وكتبت ذلك عليهما قال : لا يجوز ذلك في عبديك . وقالهما سليمان بن موسى فقلت لعطاء : [ ص: 542 ] لم لا يجوز ذلك ؟ قال : من أجل أن أحدهما لو أفلس رجع عبدك ولم تملك منه شيئا فبما يغرم هذا لك عنه ولك العبد ؟ فإن مات فوجدت مالا أخذته أو لم تجد له مالا لم يغرم لك عن هذا من أجل أنك لم تكن شغله خرج عنك .

                                                                                                                                                                              وقال عطاء : إن كاتبت عبدا لك وله بنون يومئذ فكاتبك على نفسه وعليهم ، فمات أبوهم أو مات منهم ميت فقيمته يوم يموت توضع من الكتابة ، وإن أعتقه أو بعض بنيه فكذلك قالها عمرو بن دينار .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : هذا إن شاء الله كما قال عطاء وعمرو بن دينار إذا كان البنون كبارا فكاتب عليهم أبوهم بأمرهم ، فعلى كل واحد منهم حصته من الكتابة بقدر قيمته ، فأيهم مات أو أعتق رفع عن الباقين بقدر حصته من الكتابة لا يوم يموت ولا قبل الموت وبعد الكتابة .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وإذا كان للرجل ثلاثة أعبد فكاتبهم على مائة منجمة في سنتين على أنهم إن أدوا عتقوا ، فالكتابة جائزة ، والمائة مقسومة على قيمة الثلاثة ، فأيهم أدى حصته من الكتابة عتق ، وأيهم عجز رد رقيقا ولم تنتقض كتابة الباقين ، فإن قال الباقون : نحن نستعمله ونؤدي عنه فليس ذلك لهم ، وأيهم مات قبل يؤدي حصته من الكتابة مات رقيقا ، وماله لسيده دون الذين كاتبوا معه ، ودون ورثته ، وإذا أدوا شيئا فهو على العدد لا على ما يصيبهما إذا اختلفت قيمتهم .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وسواء في هذا كان العبيد ذوي رحم أو غير ذي رحم ، أو رجلا وولده ، أو رجلا وأجنبيين في جميع مسائل الكتابة ، [ ص: 543 ] وإن كاتب رجل وابنان له بالغان ، فمات أحد الابنين وترك مالا ، أو الأب وبقي الابنان وترك مالا [قبل أن] يؤدي فماله لسيده ، ويدفع [عن] المكاتبين معه حصته من الكتابة وأيهم عجز فلسيده تعجيزه ، وأيهما شاء أن يعجز فذلك له ، وأيهم أعتقه سيده فالعتق جائز ، وأيهم أبرأه مما عليه من الكتابة فهو حر و [ترفع] حصته من الكتابة عن شركائه ، وأيهم أدى عن أصحابه متطوعا فعتقوا معا ، لم يكن له أن يرجع عليهم بما أدى عنهم ، فإن أدى عنهم بإذنهم رجع عليهم بما أدى عنهم .

                                                                                                                                                                              وكان حسن بن صالح يقول : إذا كاتب عبدا من عبيده صفقة واحدة كان على كل إنسان منهم بحصته قيمته من الكتابة ، فإن مات بعضهم [رفع] عن الباقين حصة الذي مات .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه في قوم كاتبوا جميعا فمات بعضهم : يرفع عن الميت بقدر حصته .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان ويعقوب في رجل كاتب عبدين له على ألف درهم حالة أو على ألف درهم إلى أجل مسمى ، ولم يقل : إن أديتما عتقتما ، فأيهما أدى حصته من الألف عتق ، وإن أدى أحدهما الألف [ ص: 544 ] عنه وعن صاحبه عتقا ، ولا يرجع على صاحبه بشيء مما أدى عنه ، لأنه أداه بغير أمره ولم يكن ضامنا له ، فإن اشترط عليهما في الكتابة : إن أديتما عتقتما ، فإنهما لا يعتقان حتى يؤديا الألف كلها ، وأيهما أدى الألف عتقا ، ويرجع على صاحبه بحصته منها وقالا : إذا كاتب الرجل عبيده جميعا مكاتبة واحدة وجعل نجومهم واحدة إذا أدوا عتقوا وإذا عجزوا ردوا ، فإن بعضهم (يكونون كفلاء ويأخذهم) أيهم شاء بالمال ، وقالا : هذا استحسان ليس بقياس ، لأن كفالة الكفيل بالمكاتبة لسيد المكاتب باطل ، فإذا كانوا عبيدا وبعضهم كفلاء عن بعض جاز ذلك إذا كانت النجوم واحدة ، ولو مات منهم عبد لم يدفع عنهم (حصتهم) ، لأنهم لا يعتقون إلا بأداء جميع المال .

                                                                                                                                                                              وكان قتادة يقول في الرجل يكاتب عنه وعن بنيه ثم يموت الأب أو أحدهم أو يعتق قال : إن كتب في كتابتهم حيهم على ميتهم فهو على الباقي ، ولا يحط عنهم في الميت شيء ، وإن كانت مرسلة حط عنهم قيمة الميت .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية