الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر التعدي في الوديعة والعمل بها

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم على أن المودع ممنوع من استعمال الوديعة ومن (تلفها) ، وأجمعوا على إباحة استعمالها بإذن مالكها .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المستودع أو المبضع معه ، يخالفان فيستعملان الوديعة والبضاعة بغير إذن أصحابها .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : كل واحد منهما ضامن لما تعدى فيه ، والربح لرب المال . كذلك قال ابن عمر ، وأبو قلابة ، ونافع مولى ابن عمر .

                                                                                                                                                                              8608 - حدثنا عن إسحاق بن راهويه ، حدثنا بشر بن محمد ، حدثنا الليث بن سعد ، قال : حدثني نافع ، عن ابن عمر ، قال : من اتجر بمال يتيم فالربح لليتيم ، والضمان عليه .

                                                                                                                                                                              وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق ، واحتج أحمد بحديث عروة البارقي .

                                                                                                                                                                              8609 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا سفيان ، عن شبيب ، قال : حدثني الحي ، عن عروة قال : أعطاني) [ ص: 319 ] النبي صلى الله عليه وسلم دينارا أشتري به أضحية أو شاة فاشترى له اثنين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له بالبركة في بيعه ، فكان لو اشترى ترابا لربح فيه .

                                                                                                                                                                              8610 - وحدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا سعيد بن زيد ، عن الزبير بن الخريت ، عن أبي لبيد ، عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال : عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم جلب فدفع إلي دينارا ، فقال : "أي عروة ، ائت الجلب فاشتر لنا به شاة" . فذهبت فاشتريت له به شاتين ثم جئت أقودهما - أو أسوقهما - فعرض لي رجل فاشترى أحد الشاتين بدينار ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، هذه شاة وهذا ديناركم . قال : "وصنعت ماذا يا عروة ؟ " . قال : فأخبرته ، قال : "بارك الله لك في صفقة يمينك" . قال : فإن كنت لأقوم في سوق الكناسة فلا أرجع إلى أهلي حتى أربح أربعين ألفا . [ ص: 320 ]

                                                                                                                                                                              فاحتج بعضهم بهذا الحديث وقال : قد خالف عروة ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وتعدى إلى غير ما أمر به ، وذلك أنه اشترى ما لم يؤمر به ثم باع ما لم يأذن له في بيعه ، فقبض النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كله إليه ، فكذلك كل من تعدى في مال فربح فيه فالربح لرب المال ، واحتج إسحاق بحديث الغار .

                                                                                                                                                                              8611 - حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، حدثنا هشام ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل ، فانحطت على غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها ، فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتان ، ولي صبية صغار كنت أرعى غنمهم ، فإذا رحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي أسقيهما ، [فأقبلت] بقعبي يوما بالسحر ، ثم إني هبطت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب ، فقعدت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية ، والصبية يضغون عند قدمي ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أني [قد] فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ، ففرج الله بها فرجة فرأوا منها السماء ، ثم قال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أني كانت لي بنت عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ، فطلبت إليها نفسها فأبت حتى [ ص: 321 ] آتيها بمائة دينار ، فسعيت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها ، فلما (وقفت) بين رجليها قالت : يا عبد الله ، اتق الله ولا تفضض الخاتم إلا بحقه ، فقمت عنها ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ، ففرج الله لهم ، وقال الآخر : اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق ذرة فلما قضى عمله قال : أعطني حقي ، فعرضت عليه حقه فرغب عنه وتركه ، فلم أزل أزرعه حتى جمعت بقرا ورعاءها فجاءني فقال : اتق الله ولا تظلمني أعطني حقي ، فقلت : اذهب إلى تلك البقر وراعيها فخذها ، فقال : اتق الله ولا تهزأ بي ، فقلت : إني لا أهزأ بك فخذ تلك البقر وراعيها ، فأخذها فذهب بها ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ، ففرج الله عنهم" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد كان الشافعي يقول إذ هو بالعراق يقول بهذا المعنى ، وذكر حديث عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب في المال الذي دفعه عامل عمر إليهما وأمرهما أن يؤديا رأس المال إلى أمير المؤمنين ، فأخذ عمر المال ونصف الربح .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وقد كانا ضامنين للمال ، وعلى الضمان أخذاه ، ولو هلك ضمنا ، ولم يقل عمر ولا أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لكما الربح بالضمان ، بل جمع عليهما الضمان وأخذ منهما بعض الربح . [ ص: 322 ]

                                                                                                                                                                              واحتج (بعضهم) بأن الجميع قد أجمعوا على أن الرجل إذا اغتصب من آخر جارية فرباها و [غذاها] وعلمها حتى كبرت وتأدبت حتى صار ثمنها عنده أضعاف ما كان يوم اغتصبها ، أن المغصوب منه يأخذ الجارية ولا شيء للغاصب في الزيادة التي زادت ولا نماها . هذا قول أبي ثور ، وكذلك لو ولدت الجارية المغصوبة أولادا عند الغاصب أخذها المغصوب منه ، وجميع أولادها ، لا اختلاف في ذلك بين أهل العلم ، وكذلك الماشية وثمن النخل يغصبه المرء ، فكذلك نماء المال وربحه ، لأنه من المال لا فرق بينهما ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : الربح كله للعامل . روينا هذا القول عن : ابن عمر ، وشريح ، وعطاء ، و [ الشعبي ] ، والحسن البصري ، ويحيى الأنصاري ، وربيعة ، وبه قال مالك والثوري ، الربح له في القضاء بضمانه ، وأن يتنزه عنه أحب إلي .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : من ضمن شيئا فله ربحه ، وأسلم له أن يصدق به .

                                                                                                                                                                              وقال عبيد الله بن الحسن : من ضمن مالا فله ربحه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إذا ربح في المال الذي هذا سبيله تصدق بالربح . هذا قول الشعبي ، قال في المضارب إذا خالف كان يرى أنه ضامن ، وليس [ ص: 323 ] لواحد منهما الربح ، يتصدقان به .

                                                                                                                                                                              وروينا عن مجاهد أنه قال في الوديعة : إذا حركها صاحبها فالربح ليس لواحد منهما يتصدق به .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال النخعي في المضارب يخالف ، وكذلك قال حماد . وروي معنى ذلك عن أبي العالية ، ومكحول ، والحكم .

                                                                                                                                                                              وقال [أصحاب] الرأي في الرجل تكون عنده الوديعة فيعمل بها ويربح ولم يأذن له صاحبها ، قالوا : هو ضامن للوديعة ، والربح له يتصدق به ، ولا ينبغي له أن يأكله .

                                                                                                                                                                              واحتج بعض من قال : يتصدق به ، بحديث : .

                                                                                                                                                                              8612 - حدثناه محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا الحسن بن علي ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن شيخ من أهل المدينة ، عن حكيم بن حزام ، قال : بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتري له أضحية بدينار ، فاشترى له أضحية بدينار فباعها بدينارين ، فابتاع أضحية وجاءه بدينار ، قال : فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم يبارك له في تجارته وتصدق به . [ ص: 324 ]

                                                                                                                                                                              وقال بعضهم : الربح [للمتعدي] ولا يطيب لرب المال ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن ، قال : فلا يحل الربح لرب المال ، لأن ضمان المال على غيره .

                                                                                                                                                                              وقال آخر : الربح للمتعدي بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وأصح من ذلك كله أن الرجل إذا تعدى في الوديعة كانت عنده أو اغتصب مالا فاشترى من عين المال جارية بمائة دينار ، فقال للبائع : قد اشتريت مثل هذه الجارية بهذه المائة الدينار بعينها ، أن البيع باطل ، لأنه اشترى جارية بمال لا يملكه ، وإذا كان هكذا ، حرم عليه وطء الجارية ، ولم يكن له أن يعتقها ولا يبيعها ولا يهبها ، لأنه غير مالك لها ، فإن باعها بمائتي دينار وربح فيها مائة دينار فإن بيعه باطل ، لأنه باع ما لا يملك إذا صارت الجارية في يد من اشتراها فهي على ملك البائع الأول ، والبائع غير مالك لمائتي الدينار التي قبض بل ملكها لمشتري الجارية ، فإذا جاء المودع أو المغصوب منه المائة دينار ببينة تشهد له بالمائة قضي له بها ، فأخذها ورجع بائع الجارية على المشتري المتعدي في الوديعة ، فأخذ الجارية منه إن وجدها عنده ، وإن لم يجدها عنده وقد باعها أخذها ممن هي في يده إذا ثبت ذلك ببينة تشهد له ، فإن كانت الجارية مستهلكة لا يقدر عليها ، وكان المتعدي في المال قد باعها بمائتي دينار فوجد المائة الدينار في يديه ، فإن كان المائتي دينار قيمة جاريته فله أخذها ، وإن كانت أكثر من مائتي دينار أخذ المائتي دينار وغرمه تمام قيمة الجارية . وإن كانت [ ص: 325 ] قيمتها مائة دينار لم يسعه عندي أن يأخذ أكثر من قيمة جاريته وهي مائة دينار ، ويطلب المتعدي في الوديعة فيرد المائة على من أخذها منه لا يسعه عندي غير ذلك ، وإن كان من أخذها منه قد مات ردها على ورثته ، فإن لم يصل إليه ولا إلى ورثته صبر حتى ييأس من وصوله إليه ، فإذا أيس من ذلك يتصدق بها على ما رويناه عن ابن مسعود وغيره .

                                                                                                                                                                              ثبت أن ابن مسعود اشترى جارية بسبعمائة درهم ، فإما مات الرجل وإما (ترك) له [فنشد] عبد الله حولا فلم يقدر عليه ، فخرج بالدراهم إلى مساكين عند سدة بابه فجعل يعطيهم ويقول : اللهم عن صاحبها فإن كره فلي وعلي الغرم .

                                                                                                                                                                              وروينا عن رفيع والد عبد العزيز بن رفيع ، أنه اشترى ثوبا من رجل بمكة قال : فقبضت الثوب فانطلقت به لأنقده ثمنه ، قال : فضل مني (من) زحام الناس وطلبته فلم أجده ، فأتيت ابن عباس فذكرت له ذلك فقال : إذا كان من العام المقبل فانشد الرجل في المكان الذي اشتريته منه ، فإن قدرت عليه وإلا تصدقت بها ، فإن جاء بعد فخيره ، فإن شاء كانت له الصدقة ، وإن شاء أعطيته الدراهم وكانت لك الصدقة .

                                                                                                                                                                              وروينا عن معاوية بن أبي سفيان أنه استحسن فتيا أفتى بها عبد الله بن الشاعر السكسي في مائة دينار غلها رجل فقال : ادفع إلى معاوية خمسها [ ص: 326 ] وتصدق بالباقي عن ذلك الجيش . وممن مذهبه أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف مكان صاحبه وأويس منه : شريح ، والنخعي .

                                                                                                                                                                              8613 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عامر بن شقيق ، أنه سمع أبا وائل شقيق بن سلمة يقول : اشترى عبد الله جارية بسبعمائة درهم ، فإما مات الرجل وإما ترك له ، فنشده عبد الله حولا فلم يقدر عليه ، فخرج بالدراهم إلى مساكين عند سدة بابه فجعل يعطيهم ويقول : اللهم عن صاحبها ، فإن كره فلي وعلي الغرم ، ثم قال : هكذا يصنع [باللقطة] .

                                                                                                                                                                              8614 - حدثنا إسحاق ، [عن] عبد الرزاق ، عن الثوري وإسرائيل ، عن عامر بن شقيق ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، قال : اشترى عبد الله بن مسعود من رجل جارية بستمائة درهم أو سبعمائة درهم ، فنشده سنة لا يجد ثم خرج بها إلى السدة فتصدق بها درهما ودرهمين عن ربها ، فإن جاء خيره ، فإن اختار الأجر كان له الأجر ، وإن اختار ماله ، كان له ماله . ثم قال ابن مسعود : هكذا فافعلوا باللقطة .

                                                                                                                                                                              8615 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا [ ص: 327 ] أبو الأحوص ، قال : حدثنا عبد العزيز بن رفيع ، قال : أخبرني أبي أنه ابتاع من رجل ثوبا بمكة ، فقبضت منه الثوب فانطلقت به لأنقده ثمنه فضل مني في زحام الناس ، فطلبته فلم أجده ، فأتيت ابن عباس فذكرت ذلك له فقال : إذا كان من العام القابل فانشد الرجل في المكان الذي (اشتريت منه) ، فإن قدرت عليه وإلا تصدق بها ، فإن جاء بعد فخيره ، (فإن شاء كانت له الصدقة) (وإن شاء كانت له الدراهم) وكانت لك الصدقة .

                                                                                                                                                                              8616 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا العباس بن الحسين القنطري ، قال : حدثنا مبشر ، عن صفوان بن عمرو ، عن حوشب قال : غزا الناس [زمن] معاوية وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن [ ص: 328 ] الوليد فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية ، فلما انصرف الناس قافلين فندم الرجل فأتى عبد الرحمن بن خالد ، فقال : إني غللت مائة دينار فاقبضها مني ، قال : قد افترق الناس فلن أقبضها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة ، فدخل على معاوية ، فذكر له أمرها ، فقال معاوية مثل ذلك ، فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي وهو يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : كان من أمري كذا وكذا فإنا لله وإنا إليه راجعون ، قال : مطيعي أنت ؟ قال : نعم . قال : ارجع إلى معاوية فقل له : اقبض مني خمسك ، فادفع إليه عشرين دينارا ، وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش ، فإن الله يقبل التوبة ، والله أعلم بأسمائهم ومكانهم ، ففعل ذلك الرجل ، فبلغت معاوية ، فقال : أحسن ، لأن أكون أفتيته بها أحب إلي من كل شيء أملكه .

                                                                                                                                                                              وقال الحسن البصري والزهري فيمن غل : يتصدق به .

                                                                                                                                                                              وقال مالك في الوديعة يغيب صاحبها ولا يعرف له [موضع] ولا يعرف له ورثة إذا طال زمانه وأيس منه : تصدق بها عنه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولأهل العلم في هذه المسألة قولان آخران ، أحدهما : أن من استودع مالا فذهب صاحبه لا يدرى من هو ، رفع إلى بيت المال .

                                                                                                                                                                              روينا هذا القول عن : عطاء بن أبي رباح . [ ص: 329 ]

                                                                                                                                                                              والقول الثاني [قول] قاله أصحاب الرأي ، قالوا في الوديعة يغيب ربها ولا يدرى أحي هو أو ميت ، ولا يدرى من وارثه : ينبغي للمستودع أن يمسكها أبدا حتى يعلم أحي هو أو ميت ، أو يعلم له وارث ، وهذا يشبه مذاهب الشافعي : إيقاف المال في مثل هذا حتى يتبين أمر صاحبه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإن كان المشترى ليس بعين المال ، ولكنه كان يشتري السلعة ثم يزن من المال الوديعة ، فالشراء ثابت والمال في الذمة ، وهو مالك للسلع بعقد الشراء وما كان من أرباح فيها فهي له ، وعليه مثل الدنانير التي أتلف لصاحبه . وهذا قول الشافعي ، آخر قوليه ، وعليه عوام أصحابه .

                                                                                                                                                                              وقد تكلم في حديث عروة البارقي بعض الناس فزعم أنه غير ثابت ، أو في إسناده من هو مجهول رواه شبيب بن غرقدة ، عن الحي ولم يسم من حدثه منهم ، ورواه سعيد بن زيد ، عن الزبير بن الخريت ، عن أبي لبيد ، [ ص: 330 ] وزعم أن أبا لبيد مجهول ، لم يرو عنه كبير أحد ، وأن سعيد بن زيد ضعيف الحديث عند أهل المعرفة بالحديث ، لا يجوز الاحتجاج بحديثه .

                                                                                                                                                                              وذكر هذا القائل حرفا طعن به [على] أبي لبيد ، روي عن سليمان بن حرب أنه قال : أبو لبيد لمازة بن زبار ، كان لا يستتر من سب علي ، قال : وليس حديث عروة من هذا الباب بسبيل ، عروة لم [ ص: 331 ] يأخذ وديعة فتعدى فيها ، ولا غصب مالا ، إنما اشترى للنبي صلى الله عليه وسلم شيئا رآه (صالحا) ونظرا له فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ودعا له بالبركة ، ولو كان ما فعل تعديا لم يرض به ونهاه أن يعود لمثله . وحديث حكيم بن حزام لا يثبت ، لأنه عن شيخ مجهول من أهل المدينة . وحديث الغار ليس من هذا الباب بسبيل ، لأن الرجل لم يأخذ ما ليس له ولكن الأجير تركه فلم يخلطه الرجل بماله ، ولكنه عمل فيه للأجير حتى كثر الشيء ونما ، ثم دفعه إليه بكماله وذلك كله تطوع منه وتفضل ، ألا ترى أنهم دعوا الله بأفضل ما تطوعوا به من الأعمال .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية