الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسائل:

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يكتري من الرجل الدار [بسكنى] دار أخرى .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ذلك جائز .

                                                                                                                                                                              وكذلك لو اكتراها بركوبه دابة شهرا، أو بخدمة عبد، أو لبس ثوب، كان ذلك جائزا. هذا قول أبي ثور . وبه نقول .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : إذا كرى دارا بسكنى دار أخرى كان ذلك فاسدا .

                                                                                                                                                                              وإن استأجرها بخدمة عبد، أو بركوب دابة إلى موضع معلوم، فهو جائز .

                                                                                                                                                                              ولو فرغ الساكن الدار، وفيها تراب وقمائم وسرقين وزبل، فعلى الساكن نقل ذلك في قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي. وكذلك أقول . [ ص: 175 ]

                                                                                                                                                                              فأما تنقية البلاليع والكنف فإن أصحاب الرأي زعموا أن هذا في القياس مثل الأول، أي أن ذلك على الساكن. قالوا: ولكنا ندع القياس ولا نجعل على الساكن ما [غيبت] الأرض من ذلك، إنما عليه ما ظهر .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: تنقية البلاليع والكنف على رب الدار، وذلك أنه اكترى منه الدار للمنافع، وعلى رب الدار إصلاحه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لا فرق بين ذلك وبين القمائم في القياس، لأنهما جميعا مما أحدث الساكن .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولو أن رجلا تكارى من رجل بيتا بدرهم كل شهر، فقال له رب المنزل: دونك المنزل فانزله، فانقضى الهلال ولم ينزل .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إن كان رب الدار منعه النزول فعلى المكتري أجر الشهر. وللمكتري على رب الدار كراء المثل شهرا. هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أبو يوسف ومحمد : إن كان المستأجر يقدر على فتح الباب فهو [ضامن] ، وعليه الكراء، وإن كان لا يقدر عليه فلا أجرة عليه، وهذا في قياس قول أبي حنيفة . كذلك قال أبو بكر ، فإن أنفق الساكن على المنزل في عمارته نفقة بغير أمر رب الدار فهو متطوع في قول الشافعي ، وأبي ثور ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد . وإن [ ص: 176 ] كان رب المنزل أمره بالنفقة، فقال: أنفقت دينارا، وقال الساكن: أنفقت أكثر، فالقول قول رب المنزل مع يمينه في قولهم جميعا. وكذلك نقول في المسألتين [جميعا] .

                                                                                                                                                                              وإن قال الساكن لرب الدار [أعرتنيها] ، وقال رب الدار: بل أكريتكها، فالقول قول رب الدار، وعلى الساكن كراء المثل فيما سكن في قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وهو أصح قولي الشافعي .

                                                                                                                                                                              وفي قول أصحاب الرأي: القول قول المستأجر في العارية مع يمينه، والبينة بينة المؤاجر .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يكتري المنزل على أن يسكنه شهرا وحده، فتزوج الساكن امرأة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ليس له أن يسكنها معه، ولصاحب المنزل منعه من ذلك. هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: ليس لرب المنزل أن يخرجه قبل أن تنقضي المدة، لأن له أن ينزله هو ومن كان معه، وليس الشرط بشيء، ولا سبيل له عليه حتى ينقضي الوقت، فهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد . [ ص: 177 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا اكترى رجل دارا على أن يرمها الساكن، ويطين منها ما يحتاج إلى تطيينه، فالكراء فاسد في قول الشافعي ، وأبي ثور ، وأبي حنيفة ، و [أبي] يوسف، ومحمد ، وعليه كراء المثل فيما سكن في قولهم جميعا. وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : لا خير في ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإن كان في الدار المكتراة حائط واهي فأشهد على الساكن [فيه] وتقدم إليه، وصاحب الدار غائب فسقط الحائط فقتل أو أفسد مال إنسان. ففي قول أبي ثور : ذلك على الساكن، قال: لأنه يقوم مقام رب الدار إذا كان غائبا في الذب عنها، ومصالحها .

                                                                                                                                                                              وفي قول الشافعي : لا شيء على الساكن ولا على رب الدار، وكذلك قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يكتري الدار على أن يسكنها، فلم يسكنها وجعلها خان أنبار الطعام و [التمر] ، وغيره .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لرب الدار منعه من ذلك، لأن ذلك يشين الدار، وسكناها لا يشينها. هذا قول أبي ثور . [ ص: 178 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: ليس لرب الدار أن يخرجه حتى يكمل السنة، لأن هذا من السكنى في قياس قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد .

                                                                                                                                                                              وإذا اكترى دارا على أن لا يسكنها، ولا ينزلها، ولا ينزل فيها أحدا، كانت الأجرة فاسدة، وهذا جاهل يحجر عليه، فإن سكنها كان عليه كراء مثلها. هذا قول أبي ثور ، وكذلك هو في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، غير أنه إن سكنها فعليه أجر مثلها لا ينقص مما سمى شيء .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الدار يكتريها الرجل ولم يرها، وقد وصفت له .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إذا كانت كما وصفت له لزمه الكراء، وإن لم تكن كما وصفت له فالكراء باطل. هذا قول أبي ثور . وفي قول أصحاب الرأي: فهو بالخيار إذا رآها. وإن أحدث الساكن تنورا في الدار كما يحدث الناس فاحترق من الدار شيء فلا شيء على الساكن في قول أبي ثور ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية