الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ضالة الغنم

                                                                                                                                                                              ثابت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في ضالة الغنم "لك أو لأخيك أو للذئب" .

                                                                                                                                                                              8689 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن يزيد مولى المنبعث ، عن [ زيد] بن خالد الجهني ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : فضالة الغنم ؟ فقال : "لك أو لأخيك أو للذئب" .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم في الرجل يجد الشاة ، فكان مالك بن أنس يقول في الشاة : الضالة توجد (بالصحراء) ، قال : يذبحها فيأكلها ، وإن كان في قرية فليضمها إليه أو إلى غنمه حتى يجد صاحبها . قال : وقال مالك في البقرة مثله . وحكاية ابن وهب عنه في ضالة البقر تدل على أن ابن القاسم وهم إذ جعل قياس قول مالك أن ضالة البقر كضالة الإبل . وفيما وجد بخط الشافعي رحمه : إذا وجد الشاة أو البعير أو الدابة [ ما] كانت بالمصر أو في قرية فهي لقطة يعرفها سنة ، وقال أبو عبيد في ضالة الغنم : هي لك أو لأخيك أو للذئب . ليس هذا عندنا فيما يوجد قرب الأمصار ، ولا القرى ، إنما هذا أن يوجد في البراري ، [ ص: 417 ] والمفاوز التي ليس (قربهما) أنيس ، لأن تلك التي توجد قرب الأمصار والقرى لعلها تكون لأهلها .

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : فهذا عندي أصل لكل شيء يخاف عليه الفساد مثل الطعام والفاكهة مما إن تركه في الأرض لم يلتقطه فسد ، أنه لا بأس بأخذه ، حدثنيه علي عنه .

                                                                                                                                                                              وكان الليث بن سعد يقول في ضالة الغنم : لا أحب أن يقربها إلا أن يحرزها لصاحبها . وقد روينا عن عائشة أنها منعت من بيع ضالة الغنم ومن ذبحها ، وقد ذكرت إسناده فيما مضى .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والذي نقول به إن في نفس الحديث دليلا على افتراق حال البراري والقرى في ضالة الغنم ، بين ذلك في قوله : لك أو لأخيك أو للذئب ، لأن الذئاب لا تكون في الأمصار والقرى ، وحيث يكون جماعات الناس . فإذا وجد الشاة بفلاة من الأرض فله أكلها وبيعها ، وإخراجها من ملكه والانتفاع بها كيف شاء ، وليس له ذلك إذا كانت في القرى والأمصار ، فإذا كانت الشاة بفلاة من الأرض فأكلها من جعل له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثم جاء صاحبها ففيها قولان : أحدهما : أن لا غرم عليه . وهذا قول مالك .

                                                                                                                                                                              وحجة من قال بهذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الذي وجدها مقام ربها ، فقال : لك أو لأخيك أو للذئب ، فأباح له أكلها والانتفاع بها في تلك الحال ، فإذا انتفع بها بإذن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يغرم في حال ثان [ ص: 418 ] إلا بحجة من كتاب أو سنة أو إجماع .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن يغرم من أكلها قيمتها إذا أتى ربها . هذا قول الشافعي . ومن قال هذا القول قال : لا فرق بين أكل الشاة يجدها في الصحراء وبين اللقطة يعرفها الملتقط سنة في أن كل واحد منهما يغرم إذا جاء صاحبها وقد أتلفها ، لأن الغرم إذا وجب على أحدهما كان للآخر مثله ، ولعل من حجة من فرق بينهما (أنه) يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في اللقطة : "فإن جاء صاحبها فأدها إليه" ، ولم يقل ذلك في ضالة الغنم ، وقد فرقت السنة بينهما من وجه آخر . اللقطة لم تبح لآخذها إلا بعد تعريف سنة ، وأباح الشاة مكانها لآخذها بغير تعريف . وقد روينا عن أبي [ثعلبة] الخشني في هذا الباب حديثا مرفوعا مفسرا .

                                                                                                                                                                              8690 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي فروة ، عن عروة بن رويم ، عن أبي [ثعلبة] الخشني ، قال : قلت يا رسول الله ، الشاة توجد في أرض الفلاة ؟ (قال) : "كلها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب" . قال : قلت : يا نبي الله ، البعير أو الناقة توجد في أرض الفلاة عليها الرعاء والسقاء ؟ قال : "خل عنها ، ما لك ولها" . [ ص: 419 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية