الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر استحقاق ما يؤديه المكاتب

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المكاتب يؤدي ما عليه من النجوم في الظاهر ويعتق ، ثم يستحق بعض ما أدى ، أو يجد السيد ببعض ذلك عيبا . فسئل مالك بن أنس عن مكاتب قاطع سيده بشيء فاعترف في يده وأخذ منه ، أيرجع رقيقا للسيد ملك الدراهم التي هي بقية ما عليه ؟ فقال : أما الشيء الذي له بال فنعم . قيل له : مائة درهم أو مائتي درهم ؟ قال : أما الشيء الذي [ ص: 520 ] له بال فنعم . وسئل مالك عن مكاتب قاطع سيده فيما بقي عليه من كتابته بعبد دفعه إليه فاعترف في يده بسرقة فأخذ منه ، قال : يرجع على المكاتب بقيمة ما أخذ منه مما كان . وكان الشافعي يقول : إذا كاتب الرجل عبده على عرض أو ماشية بصفة ، أو طعام بكيل فأدى المكاتب جميع الكتابة وعتق ، ثم استحق ما أدى المكاتب بعد ما مات المكاتب ، فإنما مات رقيقا ، وللسيد أخذ ما كان له ، وما أخذ ورثته إن كانوا قبضوه . وكذلك لو جنى على المكاتب فأخذ أرش حر ، رجع الذين دفعوا الأرش في مال الكتاب بالفضل من [أرش] عبد . قال الشافعي : ولو استحق على المكاتب شيء من صنف ما أدى أو على صفته كان العتق ماضيا واتبع المكاتب [بما] استحق عليه ، ولم يخرج من يدي سيده ما أخذ منه .

                                                                                                                                                                              ولو استحق ما كاتب عليه المكاتب بعد أدائه [وهو] حي أخذه من استحقه ، ولو كانت نجوم المكاتب كلها حلت يوم استحق ما أدى إلى مولاه ، قيل للمكاتب : إن أديت إلى مولاك جميع كتابتك الآن فقد عتقت ، وإن لم تؤده فله تعجيزك . وهذا إذا استحق ما أدى من قبل المكاتب ، فإن جاء رجل فاستحقه على سيده بإقرار من سيده عليه ، وجحد المكاتب ما أقر به السيد عليه ، فالمكاتب حر وهذا إتلاف من سيده لماله . وقال الشافعي : ولو شهد الشهود على سيد المكاتب حين [ ص: 521 ] دفع المكاتب إليه كتابته التي استحقت أنه قال : أنت حر . فقال السيد : إنما قلت : أنت حر بأنك أديت ما عليك ، أحلف بالله ما أراد إحداث عتق له على غير الكتابة كان مملوكا ، ولو كاتبه على عبيد فإذا هم معيبون أو بعضهم معيب وعتق ، ثم علم سيده بالعيب كان له رد [المعيب منهم بعينه ، فإن اختار] رده رد بالعتق ، وإن اختار حبسه تم العتق ، لأن الكتابة في كثير من أحكامها كالبيع ، كما كان يكون لمن دلس له بعيب رد العيب ونقض البيع (كان له ذلك) في الكتابة . وكان ابن القاسم صاحب مالك يقول : إذا كاتب على حيوان موصوف أو ثياب أو طعام موصوف كذلك فأداه ثم استحق من يد السيد ، قال : أحب إلي أن لا يرد وأن يكون دينا يتبع به ، لأن حرمته قد ثبتت ويرجع عليه بمثل الذي استحق منه وإن أعتقه على شيء مما ذكرت بعينه فاستحق ذلك من يده يمضي عتقه ولا يرد وهذا لا شك فيه .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية