الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مواضعة الجارية المشتراة للاستبراء

                                                                                                                                                                              واختلفوا في وجوب مواضعة الجارية المشتراة للاستبراء فقال ابن القاسم : سئل مالك عن ما يقدم الناس عند الحج بمصر يقدمون بالجواري المرتفعات، فيبيع الرجل الجارية، فإذا وجب البيع قال له المشتري يقال: أواضعك للحيضة، فقال: أنا رجل مسافر لا أستطيع المواضعة، ولم أبع على هذا. قال: ذلك لا ينفعه ما قال من ذلك، وأرى عليه المواضعة على ما أحب أو كره، إن أراد ذلك المبتاع وأراد التمسك ببيعه فذلك له .

                                                                                                                                                                              قال مالك : من ابتاع أمة ولم يذكر هو ولا البائع استبراء فلما وجب [ ص: 252 ] البيع انتقد، وقال المشتري حتى تستبرأ، قال: إن كانت الجارية مما يراد بها الوطء فلا ينقده حتى توضع على يدي رجل حتى يستبرئ رحمها بحيضة، فإما يشتري من الجواري للخدمة فإن البيع يجوز، وينقد البائع، وإن أحب المشتري أن يستبرئ لنفسه وضعها على يدي عدل، فإن كان بها حمل ردها، وإن كان مسافرا لزمته المواضعة .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : من ابتاع جارية فوضعها على يدي رجل حتى يستبرئ فلا يصلح النقد فيه بشرط، وإن نقده بعد وجوب البيع على غير شرط فلا بأس، والضمان على كل حال من البائع حتى تستبرأ، وإن شرط النقد قبل الاستبراء فذاك منقوض .

                                                                                                                                                                              وحكى ابن نافع عن مالك أنه قال في الرجل يشتري الجارية من الرجل وهما مرضيان مأمونان فرضي البائع أن يضعها عند المشتري وائتمنه عليها حتى تحيض .

                                                                                                                                                                              قال مالك : لا أحب ذلك، ولا يعجبني إلا أن توضع على يدي غيرهما، ولا نجيز لبعض الناس ما ننهى عنه [بعضا] .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الجارية المواضعة تتلف عند الذي وضعت على يديه أو يصيبها عيب .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: هي من مال البائع. كذلك قال الحكم. وروي ذلك عن الشعبي .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : ما أصابها من عيب ينقص منها، أو موت فهو من [ ص: 253 ] البائع حتى يبرأ رحمها. وقال الشافعي : إذا حال البائع بينه وبينها، ووضعها على يدي عدل يستبرئها فهي من ضمان البائع حتى يقبضها المشتري .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: هي من مال المشتري. هذا قول الشعبي .

                                                                                                                                                                              وقال الليث بن سعد : أرى أن ما أصابها من عيب قبل أن تحيض فإنه يلزم المشتري إلا الإباق والموت، فإني أراه من البائع ويقبض الثمن المشتري ويكون مع البائع .

                                                                                                                                                                              قال الليث: وإن هلك الثمن من عند المشتري الذي وضع على يديه وحاضت الجارية كان على المشتري أن يدفع ثمنها الذي ابتاعها به إلى البائع، ويكون المال الأول الذي ذهب مصيبة وحلت عليه، ويقبض جاريته حين حاضت .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفي مواضعتها للاستبراء قول ثان: وهو أن ذلك غير واجب، وبه يقول عامة أهل العلم غير مالك ومن وافقه. وممن أبطل المواضعة ولم ير ذلك: الشافعي .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وللرجل إذا [اشترى] الجارية - أي جارية كانت - أن لا يدفع عنها، وأن يقبضه إياها بائعها، وليس لبائعها منعه إياها [ليستبرئها] عند نفسه ولا عند غيره، و [لا] مواضعته إياها [ ص: 254 ] على يدي أحد ليستبرئها بحال، ولا للمشتري أن يحبس عنه ثمنها حتى يستبرئها هو ولا غيره، وسواء إن كان البائع في ذلك غريبا يخرج من ساعته أو مقيما أو مليا أو معدما أو صالحا أو رجل سوء، وليس للمشتري أن يأخذه بحميل بعهدة، ولا [بوجه] ولا ثمن، وماله حيث وضعه، وإنما التحفظ قبل الشراء، فإذا [جاز] الشراء ألزمناه ما ألزم نفسه من الحق، ألا ترى لو اشترى منه عبدا أو أمة أو شيئا وهو غريب أو أهل، فقال: أخاف أن يكون مسروقا، أو [أخاف أن يكون واحد من العبدين حرا] كان ينبغي للحاكم أن يجبره على أن يدفع إليه الثمن، لأنه ماله حيث وضعه، ولو أعطيناه أن يأخذ له كفيلا، أو يحبس له البائع عن سفره أعطيناه ذلك في خوف أن يكون مسروقا أو معيبا عيبا خفيا من سرقة أو إباق ثم لم [نجعل] لهذا غاية أبدا، وذكر الشافعي كلاما طويلا، وهو مذكور في الكتاب الذي اختصرت منه هذا الكتاب .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : ولو اشتراها بغير شرط، فتراضيا أن يواضعاها على يدي من يستبرئها فماتت، أو عميت عند [المستبرئ] ، فإن كان المشتري قبضها ثم رضي بعد قبضها بمواضعتها فهي من ماله، وإنما [ ص: 255 ] هي جارية قبضها ثم أودعها غيره، ولو اشتراها ولم يقبضها حتى تواضعاها برضا منهما على يدي من يستبرئها فماتت أو عميت ماتت من مال البائع. وإذا عميت فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها معيبة بجميع الثمن، وإن شاء تركها بالعيب .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية