الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسائل من هذا الباب

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يكاتب جارية له، ثم تعجز فترجع إليه .

                                                                                                                                                                              فقال الشافعي : لا يطؤها حتى يستبرئها، لأنها كانت ممنوعة الفرج منه، وإنما أبيح له فرجها بعد العجز .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : ليس عليه أن يستبرئها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : تحريم وطء المكاتبة ليس بإجماع يعتمد عليه .

                                                                                                                                                                              كان سعيد بن المسيب يقول: إذا شرط على مكاتبته أن ينكحها حتى تؤدي مكاتبتها فله شرطه. وبه قال أحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فإذا كان الإجماع لا يمنع من الوطء، ومن جملة قولهم: إن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وأحكامه أحكام العبيد، ولو أعتقه جاز عتقه، فكيف يجب أن يستبرئ جارية لم يبدى ملكها. هذا غير واجب .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يشتري الجارية ثم يطؤها قبل أن يستبرئها .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا شيء عليه .

                                                                                                                                                                              قال أحمد بن حنبل في الرجل يشتري الجارية [فيطؤها] قبل أن يستبرئها، قال: أما أنا يعجبني أن يستقبل بها حيضة أخرى .

                                                                                                                                                                              وقال الزهري : يعبس في وجهه الإمام ولا يضربه . [ ص: 258 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث قاله مالك : قال: إن كان ممن يعذر بالجهالة لم يعاقب، وإن كان ممن لا يعذر فإنه يعاقب. ابن أبي أويس عنه .

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع:

                                                                                                                                                                              8546 - قاله هشام بن عبد الملك ، قال: يجلد مائة جلدة .

                                                                                                                                                                              حدثناه علي، عن حجاج، عن حماد، عن عطاء الخراساني ، عنه .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الجارية يستبرئها الرجل فلم يقبضها حتى حاضت عند البائع حيضة. فكان أبو ثور يقول: له أن يطأها، وذلك أنها قد حاضت في ملكه، قال: ولا أعلمهم مختلفون في الجارية يستبرئها الرجل ويودعها، فحاضت عند المودع، أن له أن يطأها ويعتد بتلك الحيضة .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا يطؤها حتى تحيض عنده حيضة بعد القبض .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : إذا اشترى جارية مستحاضة علم بذلك أو لم يعلم، لا يمسها حتى يستبرئها سنة، بكرا كانت أو ثيبا، فإن اشتريت من حمل بلغت الريبة .

                                                                                                                                                                              وقال الأثرم: قال لي أبو عبد الله : أي شيء تحفظ في الأمة تكون ممن تحيض فيستبرئها الرجل فترتفع حيضتها، لا يدري من أي شيء ارتفع، كم تربص؟ أي شيء تقول فيها، فقال: أما حديث [ ص: 259 ] عمر فهو في المرأة التي لا تحيض من شيء، لا يدرى ما هو: تربص سنة، وحديث عبد الله في المريض، وحديث عثمان، وعلي في الرضاع. قلت له: فإنك تذهب إلى هذا تربص أيضا سنة من أجل الحمل، قال: ما أشبهه؟! قال أبو بكر : وإن اشترى الرجل جارية فوضعها على يدي عدل حتى يعطي الثمن فحاضت، كان له أن يطأها في قول مالك ، وأبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يطأها حتى تحيض عنده حيضة بعد القبض .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا اشترى الرجل جارية وهي لا تحيض من صغر فاستبرأها بالأيام فمضت عشرون ليلة ثم حاضت استبرأها لهذه الحيضة، وقد سقطت الأيام، وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا رهن الرجل الأمة من الرجل بمال معلوم، فافتكها من الرهن لم يكن عليه أن يستبرئها في قول الشافعي ، وأبي ثور ، ولا أحسبه إلا قول الكوفي، لأن ملكه لم يزل عنه، وإذا باع الرجل جارية بيعا فاسدا، وقبضها المشتري ولم يطأها، ثم ردها على البائع، فليس عليه أن يستبرئها، وإذا وطئها المشتري ثم فسخ البائع، لم يطأها البائع حتى يستبرئها. وهذا قول أبي ثور ، واحتج بأنه لا يعلم بين [ ص: 260 ] أهل العلم اختلافا في امرأة بلغتها وفاة زوجها فاعتدت ثم تزوجت، ثم جاء زوجها الأول. أن نكاح الأخير مفسوخ، فإن كان الأخير لم يطأها، كان للأول أن يطأها، وإن كان وطئها لم يكن للأول أن يطأها حتى تنقضي عدتها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا نكحت الأمة نكاحا فاسدا فلم يطأها الذي نكحها حتى فرق بينهما، فليس على السيد أن يستبرئها، وإن وطئها الزوج استبرأها في قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وفي قول أصحاب الرأي: إذا وطئها ففرق بينهما لم يقربها حتى تنقضي العدة، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما ولا استبراء عليه .

                                                                                                                                                                              وإذا ورث الرجل جارية من رجل، أو أوصى له بها، أو وهبت له هبة صحيحة لم يطأها حتى يستبرئها. وهذا على مذهب الشافعي ، وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقال مالك في رجل وهب لرجل جارية لم يكن يطأها، الذي وهبت له لا يطأها حتى تستبرأ بحيضة .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إن ورث جارية، أو أوصي له بها فقبل الوصية فحاضت قبل أن يقبضها ثم قبضها، فإن يعقوب زعم أنها في قياس قول النعمان : لا يقربها حتى تحيض حيضة عنده، وخالفه يعقوب فزعم أن ذلك استبراء، وله أن يطأها . [ ص: 261 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : يطؤها إن شاء .

                                                                                                                                                                              وإذا باع الرجل مدبرة له ثم اشتراها، فعليه أن يستبرئها، وبيع المدبرة جائز. وقد ذكرت ما دل على ذلك في كتاب المدبر .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : لا تستبرأ الأمة في النكاح .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل : لا نعلم في التزويج استبراء إلا أن يكون السيد وطئ، فإن كان وطئ فلا ينبغي له أن يتزوج حتى يستبرئ، وإذا علم الذي كان تزوجها أن سيدها كان يطأها فلا يقربها حتى يستبرئها .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: وإذا مات الرجل عن مدبرة له كان يطأها، استبرئت بحيضة، فإن نكحت هي أو أم الولد قبلها فسخ النكاح، وإن كانت أمة لا يطأها فلا استبراء عليها .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول: إذا تزوج أمة ثم اشتراها قبل أن يدخل بها فلا أحب له أن يطأها حتى يستبرئها، إلا أن تكون كانت مستبرأة، فلا شيء عليه .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا استبراء عليه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا تزوج رجل امرأة على أمة له، ودفعها إليها، أو لم يدفعها حتى وقعت بينهما فرقة قبل أن يدخل الزوج بها من قبل المرأة فرجعت الأمة إليه، فإن كان لم يدفعها إليها فليس عليه استبراء في قول يعقوب ، قال: وهذا مثل الإقالة . [ ص: 262 ]

                                                                                                                                                                              قال: وقال أبو حنيفة في الإقالة: عليه الاستبراء. وكذلك هذا في قياس قوله: وإن كانت قد قبضت فعليه الاستبراء في قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، غير أن أبا يوسف استحسن في خصلة، قال: إن كانت لم يتزوج بها، وقعت الفرقة، ولم تغب المرأة عن عين الرجل فليس في ذلك استبراء، قال: وهذا مثل الإقالة في البيع في قول أبي يوسف إذا لم يغيبها فلا استبراء عليه إذا كانت الإقالة بعد أن غيبها فعليه الاستبراء .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفي قول الشافعي إذا زال ملك الرجل عن الأمة ثم ملكها مستأنفا بأي وجه كان رجوع الملك إليه فعليه الاستبراء .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا ارتدت جارية الرجل عن الإسلام ثم رجعت إلى الإسلام فليس عليه استبراء .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية