الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر تقبيل الجارية المشتراة ومباشرتها قبل الاستبراء

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يشتري الجارية فيريد أن يقبلها أو يباشرها قبل أن يستبرئها. فكرهت طائفة ذلك، وممن كره ذلك: محمد بن سيرين ، وقتادة، وأيوب السختياني، ومالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وسفيان الثوري ، وأحمد ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي: لا يقربها ولا يعريها . [ ص: 247 ]

                                                                                                                                                                              وقال يحيى الأنصاري : لا يقبلها، ولا يتلذذ بشيء من أمرها .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : لا يقبل، ولا يباشر، ولا يجس ولا يجرد، ولا ينظر بشهوة إذا كان يستبرئ، وذلك أنه قد يظهر بها الحمل من بائعها، فيكون قد تلذذ أو نظر متلذذا إلى أم ولد غيره، وذلك محظور عليه .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو له أن يقبلها، ويباشرها، هذا قول عكرمة، والحسن البصري ، وبه قال أبو ثور ، وقال: يصيبها دون الفرج، وروينا ذلك عن النخعي، وكان إسحاق بن راهويه يرخص في القبلة والمباشرة قبل الاستبراء، ويكره الوطء فيما دون الفرج، واحتج أبو ثور بأنه قد ملكها ملكا تاما، وإنما منع من الفرج لعلة الحمل .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن المشتري إن كان اشترى الجارية من رجل كان يطؤها، فليس له أن يقبل ولا يباشر من قبل أنه قد يظهر بها حمل من بائعها، فيكون قد تلذذ بأم ولد غيره، لأن أم الولد إذا أبيعت حاملا من سيدها: البيع فيها يفسد، وإذا فسد البيع، فقد تلذذ بأم ولد غيره، وإن كانت الجارية إنما وقعت في سهمه من الغنيمة إذ اشتراها من السبي ولم توطأ بعد أن ملكت: فلا بأس بالاستمتاع بهذه دون الجماع، يقبل ويباشر ويتلذذ بها ولا يجامعها حتى يستبرئها، لأن هذه لو ظهر بها حمل، لم ينفسخ فيه البيع، إنما يردها على رجل وقعت في [ ص: 248 ] سهمه، أو لا يردها، لأنها وقعت في سهم نفسه، فإن قال قائل: يردها على صاحب المقسم بالعيب، فليس يلحق الولد إن ظهر بها حمل لصاحب المقسم، ولا بالبائع ولا تكون كالأولى التي ينفسخ فيها البيع إذا بيعت حاملا، لأنها ليست بأم ولد، ولا يجوز بيعها، وحديث ابن عمر يدل على هذا القول .

                                                                                                                                                                              8543 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا علي بن [زيد] ، عن أيوب بن عبد الله اللخمي، عن ابن عمر قال: وقعت في سهمي جارية يوم جلولاء، كأن عنقها إبريق فضة، قال ابن عمر : فما ملكت نفسي أن وثبت عليها، فجعلت أقبلها، والناس ينظرون . [ ص: 249 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وذكر لأحمد حديث ابن عمر هذا فقال: ذلك على السبي ليس له أن يردها، والذي يشتري عسى أن تكون أم ولد لرجل، أو يكون في بطنها ولد .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي: في الجارية الحامل من السبي لم ير بأسا أن يباشرها، ويصيب منها ما دون الفرج، قال: وإذا اشتريتها من أخيك، فليس لك أن تستمتع منها بشيء، دون أن تحيض حيضة عندك، لأنك إن فعلت وكانت حاملا من أخيك، فكأنك قبلت أو تمتعت من أم ولد أخيك .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية