الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              [ ص: 601 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                              كتاب أحكام أمهات الأولاد

                                                                                                                                                                              أجمع عوام أهل العلم على أن الرجل إذا اشترى جارية شراء صحيحا ووطئها وأولدها ولدا أن أحكامها في أكثر أمورها أحكام الإماء .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيما لسيدها من بيعها وهبتها وإخراجها من ملكه بغير العتق : فمنعت طائفة من بيعها وهبتها ، وممن منع ذلك من علماء الأمصار مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة وسفيان الثوري والحسن بن صالح ومن وافقهما من أهل العراق من أصحاب الرأي وغيرهم ، وكذلك قال الأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام ، وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ، وعليه أدركنا عوام أهل الفتيا [ ص: 602 ] من علماء الأمصار واحتجوا - أو من احتج منهم في ذلك - بحجج ، [فمما] احتجوا به منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من ذلك : .

                                                                                                                                                                              8776 - حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أعتق أمهات الأولاد إذا مات سيدهن .

                                                                                                                                                                              8777 - وحدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : لقيه نفر فقال : من أين أقبلتم ؟ قالوا من العراق . قال : فمن لقيتم ؟ قالوا : ابن الزبير . قالوا : فأحل لنا أشياء كانت تحرم علينا . قال : ما أحل لكم مما حرم عليكم ؟ قالوا : بيع أمهات الأولاد ؟ قال : أتعرفون أبا حفص عمر نهى أن تباع أو توهب أو تورث . قال : ويستمتع منها صاحبها ما كان حيا فإذا مات فهي حرة .

                                                                                                                                                                              8778 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عمر بن ذر ، قال : حدثني محمد بن عبد الله بن قارب أن أباه عبد الله بن قارب اشترى في عهد عمر بن الخطاب جارية بأربعة آلاف قد أسقطت لرجل سقطا ، فسمع بذلك عمر فأرسل إلي وإلى الرجل الذي باع ، وكان أبي صديقا لعمر وكانت له منه خاصة ، فأقبل عليه [ ص: 603 ] عمر فلامه لوما شديدا - أو قال : إن كنت لأنزهك عن هذا - وعلا الرجل البائع بالدرة ضربا ، فقال : بعدما اختلطت لحومكم ولحومهن ودماؤكم ودماؤهن بعتموهن فأكلتم أثمانهن ، قاتل الله اليهود حرمت عليهم شحومها ثم باعوها وأكلوا (ثمنها) ارددها ارددها ارددها . قال : فردها أبي ، فأدرك من الثمن ثلاثة آلاف وتوى ألف .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وممن كان لا يرى بيع أمهات الأولاد عثمان بن عفان ، وقد ذكرت إسناده بعد . وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وسالم وإبراهيم النخعي والزهري والحسن ، وقال جماعة منهم : لا تباع وإن بغت .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : واحتج بعض من يقول بهذا القول بحديث ابن عباس : .

                                                                                                                                                                              8779 - حدثنا إسماعيل بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا شريك ، عن حسين بن عبيد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أيما رجل ولدت منه أمته فهي معتقة عن دبر" . [ ص: 604 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا إسناد فيه مقال ، واستدل آخر بحديث أبي سعيد الخدري : .

                                                                                                                                                                              8780 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا ابن حميد الطويل ، عن ابن أبي الأخضر ، عن ابن شهاب ، عن ابن محيريز ، عن أبي سعيد أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنا نصيب سبايا ونحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل فقال : "أوإنكم لتفعلون ذلك لا عليكم ألا تفعلوا فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا وهي خارجة" .

                                                                                                                                                                              قال هذا القائل : ففي قوله "ونحب الأثمان" مع ترك النبي صلى الله عليه وسلم إنكار ما قال عليه دليل على أن بيعهن غير جائز إذ لو كان ثمنها قائما وبيعها جائزا بعد الحمل لأشبه أن يقول له ما يمنعك من بيعها الحمل . وقال بعضهم : وقد كانت مارية أم ولد للنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف فيما خلفه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : ما خلف ميراثا لورثته .

                                                                                                                                                                              وقال آخرون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا نورث ، ما تركنا صدقة" فلو جاز [ ص: 605 ] بيع أم الولد لم [تخل] مارية من أن تكون ميراثا أو مبيعة يتصدق بثمنها .

                                                                                                                                                                              ولا خلاف بينهم أنها لم تبع ولم يتصدق بثمنها ولا ورثها وارث ، ففي ذلك دليل على أنها صارت حرة بموت النبي صلى الله عليه وسلم . قال : وقد أجمع عوام علماء الأمصار من أهل المدينة والكوفة والشام ومصر والبصرة على المنع من بيع أمهات الأولاد . وقل ما يجمع من ذكرنا على شيء إلا كان الحق ولم يجز أن يعدل عن قول جماعتهم إذ غير جائز على عوامهم وجماعاتهم على افتراق آرائهم في كثير من أبواب العلم وافتراق أبدانهم أن يعدلوا عن الحق إلى ما ليس بصواب من القول .

                                                                                                                                                                              8781 - حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب ، قال : أخبرنا يحيى بن أبي بكير ، عن شعبة ، عن سيار ، قال سمعت الشعبي يقول : إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما قال عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                                                              واحتج آخر فقال : يدل [النظر] على ترك بيع أمهات الأولاد . قال : لأن أهل العلم في جمل مذاهبهم يقولون : كل ولد حكمه حكم أمه ، حكموا لابن الحرة بحكم أمه ، وحكموا لابن الأمة بحكم أمه ، ولم يلتفتوا إلى الأب حرا كان أو عبدا ، زوجا كان أو زانيا ، فحكموا للولد بحكم أمه في حريته ورقه ، فلما أجمعوا على أن ولد أم الولد حر دل على أن حكم أمه مثل حكمه لأنه لا تلد أمة حرا وإنما تلد الحر [ ص: 606 ] الحرة . وقد اتفقوا على المنع من بيعها حتى تضع .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في بيعها بعد الولادة وغير جائز بيعها بعد أن أجمعوا على المنع من بيعها في حال ثان إلا بإجماع مثله . وقال قائل : قد روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال لهم في آخر قوله : اقضوا كما كنتم تقضون .

                                                                                                                                                                              8782 - حدثناه علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : سمعت محمدا يقول لأبي معشر : إني أتهمكم في كثير مما تذكرون عن علي لأني قال لي عبيدة : بعث إلي علي وإلى شريح فقال : إني أبغض الاختلاف ، فاقضوا كما كنتم تقضون حتى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي .

                                                                                                                                                                              قال : فقتل علي قبل أن تكون جماعة .

                                                                                                                                                                              وأباحت طائفة من الأوائل بيع أمهات الأولاد .

                                                                                                                                                                              8783 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : أخبرنا عبد الله بن بكر السهمي ، قال : حدثنا هشام ، عن محمد ، عن عبيدة ، عن علي قال : اجتمع رأيي ورأي عمر على عتق أمهات الأولاد ، ثم رأيت بعد أن أقضي فيه كذا وكذا . فقلت له : رأيك ورأي عمر أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة .

                                                                                                                                                                              8784 - حدثنا أبو أحمد ، قال أخبرنا يعلى قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر عن عبيدة ، عن علي قال : استشارني عمر في أمهات [ ص: 607 ] الأولاد ، فرأيت أنا وعمر أنها عتيقة إذا ولدت ، فقضى به عمر حياته وعثمان من بعده ، فلما وليت أنا رأيت أن أبيعها .

                                                                                                                                                                              8785 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن [ عمرو] بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال في أم الولد : والله ما هي إلا بمنزلة بعيرك أو شاتك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد ذكرنا عن ابن الزبير قوله في هذا الباب ، ومما يحتج به من يميل إلى هذا القول في هذا الباب حديث جابر وأبي سعيد .

                                                                                                                                                                              8786 - حدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كنا نبيع أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم فينا حي لا يرى بذلك بأسا .

                                                                                                                                                                              8787 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن قيس ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله ، قال : بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا . [ ص: 608 ]

                                                                                                                                                                              8788 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا عمرو بن مرزوق ، قال : حدثنا شعبة ، عن زيد [العمي] ، عن أبي الصديق ، عن أبي سعيد ، قال : كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد دفع بعضهم حديث حسين بن عبيد الله ، وقال : تركه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ، وقال : إذا لم يثبت خبر فسبيله النظر . ومن الدليل على ضعف حديث حسين هذا الثابت عن ابن عباس من وجوه شتى أنه كان يرى بيعهن ولو كان عنده فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خالفه ولا عدل عن القول به .

                                                                                                                                                                              فأما قصة مارية فقد يجوز أن تكون ماتت قبل النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون لما احتج به بعض الناس معنى ، أو تكون ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا تكون كغيرها لما خصت به من النبي صلى الله عليه وسلم وأنها محرمة على الخلق وليس لأحد أن يتزوجها إن كانت بقيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ليس لأحد أن يتزوج أحدا من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أجمع أهل العلم على أن الفروج [ ص: 609 ] لا تحل إلا [بتزوج] أو ملك يمين وقد أجمع أهل العلم على أن أم الولد غير زوجة ما لم يحدث لها تزويجا ، لم يختلفوا أن لسيدها أن يتزوج أربعا من النساء ، وإذا لم تك زوجة فهي ملك يمين إذ الفرج لا يحل إلا بنكاح أو ملك يمين ، فإذا لم تكن زوجة وجاز وطؤها بملك اليمين وجب أن يكون لسيدها بيعها ، وليس في المسألة إجماع فيجب الامتناع من بيعها للإجماع وسبيل ما اختلف فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر والنظر دال على إباحة بيعها إذا لم يمنع منه سنة ولا إجماع وقد اختلف فيه عن عمر .

                                                                                                                                                                              8789 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي العجفاء أن عمر قال : الأمة إذا أسلمت وعتقت وحصنت فإن ولدها يعتقها ، وإن كفرت وفجرت أو قال : زنت ، رقت .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : الأخبار التي قد بدأنا بذكرها ، عن عمر أصح من هذا الخبر ، وقد اختلف في هذا الإسناد فقال حماد بن سلمة : عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي عطية الهمداني ، عن عمر . حدثنا علي بن عبد العزيز ، عن حجاج ، عن حماد . [ ص: 610 ]

                                                                                                                                                                              وفي هذا الباب قول ثالث : روينا عن عبد الله بن مسعود .

                                                                                                                                                                              8790 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال : حدثنا أبو عمر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن زيد بن وهب ، قال : انطلقت أنا ورجل منا إلى عبد الله بن مسعود فسألوه عن أم الولد فقال : تعتق من نصيب ولدها .

                                                                                                                                                                              8791 - حدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء أن ابن الزبير أقام أم حي أم ولد لمحمد بن صهيب يقال له خالد في مال ابنها .

                                                                                                                                                                              8792 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن سالم أبي عروة ، عن ابن عباس أنه جعل أم الولد من نصيب ولدها . [ ص: 611 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية