ذكر الوديعة يحرزها المودع بنفسه أو يدفعها إلى غيره
أجمع أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة بنفسه في صندوقه أو حانوته أو بيته فتلفت أن لا ضمان عليه .
واختلفوا في الرجل يودع الرجل الوديعة فيودعها غيره .
فقالت طائفة : هو لها ضامن .
هذا قول شريح ، وبه قال مالك والشافعي ، والنعمان [ ص: 311 ] وأصحابه وإسحاق ، وحكي ذلك عن الأوزاعي ، وهذا إذا لم يكن له عذر فإن حضر المودع سفر أو كان له عذر من خراب منزل ، فإذا كان كذلك فأودعها غيره فلا ضمان عليه في قول مالك . وهو قول الليث بن سعد ، والشافعي . وكان ابن أبي ليلى يقول : لا ضمان عليه .
وقد روينا عن شريح أنه قال : ليس على المستعير غير المغل ضمان ، ولا على المستودع غير المغل ضمان .
ووافق بعض الناس ابن أبي ليلى على مذهبه ، قال : وذلك أن على المودع إحرازها وحفظها ، فإذا كان إحرازها عنده أن يدفعها إلى غيره ممن يثق به كان ذلك له ، ولا ضمان عليه ، لأنه لا خلاف بينهم أن عليه أن يحفظها ويحوطها ويحصنها من التلف .
وقد أجاز غير واحد منهم للمودع أن يدفع الوديعة إلى من يرضى من خدمه وأهله على سبيل ما قد جرت به عادات الناس في منازلهم ومجالسهم . كان الليث بن سعد يقول : إذا أودعه من رضي من أهله فلا ضمان عليه ، وقال مالك : إذا دفعه إلى امرأته لم تضمن . وحكي [ ص: 312 ] ذلك عن عبيد الله بن الحسن .
وقال الثوري : لا يضمن إلا أن يكون دفعها إلى زوجته أو ابن أو خادم أو إنسان من عياله . وكذلك قال إسحاق .
وقال النعمان : له أن يدفعها إلى من شاء من عياله الذي يعول ، فإن نهاه المودع أن يدفع إلى أحد من عياله فدفعه إليه ، فإن كان ممن لا بد له منه فلا ضمان عليه ، وإن كان ممن له بد فهو ضامن .
وقال ابن الحسن : لا ضمان عليه إذا دفعها إلى امرأته أو إلى ابنه وهو كبير في عياله أو إلى عبده أو إلى أمه أو إلى أخيه وهو في عياله .


