الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر اختلاف أهل العلم في مسائل من باب السلف

                                                                                                                                                                              اختلفوا في الرجل يسلف الرجل الشيء إلى الأجل فيطالبه به قبل الأجل .

                                                                                                                                                                              فكان مالك بن أنس ، والليث بن سعد يقولان : ليس له ذلك حتى يحل الأجل . قال الليث : لأن السلف أجر ومعروف بمنزلة الصدقة وكان الحارث العكلي ، والأوزاعي ، والشافعي يقولون : له أن يطالبه به ويأخذه منه متى شاء قبل الأجل وبعده ، وروي ذلك عن النخعي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا أصح . [ ص: 422 ]

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول : من أسلف ورقا فلا بأس أن يأخذ بها ذهبا بعد محل الأجل ، وكان الشافعي يقول : لا بأس أن يأخذ بها ذهبا قبل محل الأجل وبعده ، وكان إسحاق يقول : إذا كان لرجل على رجل حنطة من قرض فلا يجوز له أن يأخذ بقيمته شعيرا ، لأنه باع حينئذ الدين بالعين .

                                                                                                                                                                              وفي قول الشافعي : له أن يأخذ به شعيرا يقبضه مكانه أقل من كيل الحنطة وأكثر إذا شاء ذلك المعطي .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن إبراهيم النخعي أنه قال : إذا كانت الدراهم قرضا يأخذ بها ما شاء . وروي ذلك عن طاوس .

                                                                                                                                                                              8238 - حدثنا إسماعيل بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن الشيباني ، عن محمد بن زيد ، عن ابن عمر في الرجل يقرض الدراهم ثم يأخذ بقيمتها طعاما أنه كرهه .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وحماد أنهم كانوا لا يرون به بأسا ، وقال سفيان الثوري : إذا كان لك على رجل طعام قرضا فبعه من الذي عليه بنقد ، ولا تبعه منه بنسيئة ، ولا تبعه من غيره بنقد ولا نسيئة حتى يقبضه . [ ص: 423 ]

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : جيد . وبه قال إسحاق . وكان الحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، والأوزاعي يقولون : إذا استقرض دراهم عددا رد عددا ، وإذا أخذها وزنا ردها وزنا .

                                                                                                                                                                              وقال عطاء : الوزن بالوزن والعدد بالعدد .

                                                                                                                                                                              وقال حماد بن زيد : أقرضت أيوب دراهم بمكة عددا فأعطانيها بالبصرة عددا .

                                                                                                                                                                              وقال أبو بكر : هذا جائز ، وليس ببيع ، فله أن يقبض أفضل مما أعطى وأقل إذا كان ذلك عن غير شرط .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد رخص غير واحد من أهل العلم أن يستقرض الجيران بعضهم من بعض الخبز وممن رخص فيه أبو قلابة .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل : أرجو أن لا يكون به بأس ، وكذلك الخمير يستقرضه الجيران بينهم ، وقد حكى ابن القاسم مذهب مالك في الرجل يستقرض من الرجل رطل خبز فرن على أن يرد عليه من خبز الملة قال : لا يجوز في مذهبه ، وإن أخذه على غير شرط فأعطاه من غير الصفة التي أخذ قال : جائز .

                                                                                                                                                                              وكان مالك ، والشافعي يكرهان استقراض الولائد ، [ ص: 424 ] قال مالك لأنه يخالف في ذلك الذريعة إلى إحلال ما لا يحل ولا يصلح ، ولم يزل أهل العلم ببلدنا ينهون عن ذلك ، ولا يرخصون فيه لأحد . وقال الشافعي : إنما كرهت استسلاف الولائد ، لأن من استسلف أمة كان له أن يردها بعينها ، وجعلته مالكا لها بالسلف ، وجعلته يطؤها ويردها ، وقد أحاط الله ورسوله ثم المسلمون الفروج ، فجعل المرأة لا تنكح - والنكاح حلال - إلا بولي وشهود ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلو بها رجل في حضر أو سفر ، ولم يحرم ذلك في شيء مما خلق غيرها .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يقرض الرجل طعاما ببلد فلقيه ببلد آخر فتقاضاه الطعام أو كان استهلك له طعاما فسأل أن يعطى ذلك الطعام في البلد الذي لقيه .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : ليس ذلك عليه ، ولكن يقال له : إن شئت فاقبض منه طعاما مثل طعامك بالبلد الذي استهلك لك أو أسلفته إياه فيه ، وإن شئت أخذناه لك الآن بقيمة ذلك الطعام في ذلك البلد . هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : إن أقرضه طعاما بمصر كيلا فلقيه بمكة ، قال : إن كان من أهل مكة قضاه [بمكة و] إن كان من أهل مصر قضاه بمصر ، وإن قضاه بمكة بقيمته بمصر .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في نصراني يسلف نصرانيا خمرا .

                                                                                                                                                                              فكان سفيان الثوري يقول : إن أسلم المقرض لم يأخذ شيئا ، [ ص: 425 ] وإن أسلم المستقرض رد على النصراني ثمن خمره . وعلى مذهب الشافعي لا يرد شيئا إذا أسلم . وبه قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق وكذلك نقول . [ ص: 426 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية