الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر اختلاف أهل العلم في هذا الباب

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم فيمن باع عبدا وله مال .

                                                                                                                                                                              فقال أكثر أهل العلم بظاهر خبر ابن عمر هذا : أن ماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ماله يكون له . كذلك قال عمر بن الخطاب ، وقضى به شريح .

                                                                                                                                                                              8141 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن عمر بن الخطاب قال : من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا قول طاوس ، ومالك بن أنس ، والشافعي ، [ ص: 329 ] وأحمد ، وإسحاق . وقال رجاء بن حيوة ، وعبادة بن نسي ، وعدي بن عدي ، ومكحول ، وسليمان بن موسى ، ويزيد بن يزيد بن جابر ، ويحيى بن جابر ، والقاسم بن عبد الرحمن ، ويزيد بن أبي مالك ، والمتوكل بن عقبة المحاربي في الجارية تباع من المغنم ومعها حلي أو مال : هو مغنم فليردها إلى غنائم المسلمين .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : ماله للمشتري . روينا هذا القول عن ابن عمر ، وبه قال النخعي ، والحسن البصري ، وشريح ، وروي ذلك عن الشعبي .

                                                                                                                                                                              8142 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا فضيل - يعني ابن سليمان - ، قال : حدثنا موسى بن عقبة قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر قال : من باع وليدة قد زينها ، فإن للذي اشتراها ما عليها إلا أن يشترط المبتاع الذي باعها ما عليها .

                                                                                                                                                                              8143 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا قتيبة ، قال : حدثنا يعقوب - يعني الإسكندراني - عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، أن ابن عمر قال : من زين وليدة وباعها ، للذي اشتراها ما عليها إلا أن يشترط المبتاع [ما ] عليها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ظاهر خبر ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن الحلي الذي تزين به الجارية للبائع إلا أن يشترط المبتاع .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في العبد يباع وله مال يعلم قدره أو لا يعلم اشترطه المشتري .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : هو للمشتري عرضا كان أو نقدا أو دينا ، يعلم به أو لا يعلم ، وإن كان ملك العبد أكثر مما اشتري به ، فإن ذلك جائز ، [ ص: 330 ] كان ثمنه الذي اشتراه به نقدا أو عرضا . هذا قول مالك .

                                                                                                                                                                              وقال إسحاق : ماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع قل أو كثر . وبه قال أبو عبيد ، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : إذا باع الرجل عبدا وله مال ، فماله للبائع كالعبد ، فإن اشترط المبتاع ماله ، فإنما يشتري به ويشتري ماله معه ، فما جاز له أن يبيعه من ماله ، جاز أن يبيعه من مال عبده ، وما حرم من ذلك حرم من هذا ، فإن كان للعبد ذهب لم يجز أن يباع بالذهب ، أو فضة لم يجز أن يباع بالفضة ، فإن الذهب والفضة أقل من الثمن أو أكثر ، فإن كان مال العبد مجهولا ، أو كان دينا فاشتراه بدين لم يجز . هذه حكاية بعض أهل مصر عن الشافعي ، وقد كان إذ هو بالعراق يميل إلى قول المزني .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : إذا اشترى المرء عبدا وله مال فاشترط المشتري ماله ، فماله له عينا كان أو دينا ، أقل مما اشتراه به أو أكثر ، علم مقداره أو خفي ذلك عليه ، بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حكما عاما ، ولو كان للنبي عليه السلام في شيء من ذلك مراد لبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن البيان إلى غيره ، إذ قد علم أن أموال العبيد تختلف فلما عم بقوله : "فماله للمشتري" لم يكن لأحد أن يستثني من السنة إلا بمثلها ، وليس اشتراط المشتري ماله شراء لماله ، إنما شرط على بائعه أن لا يأخذ من العبد ماله ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للبائع عند البيع أخذ ماله إلا أن يشترط المشتري ماله ، فإذا اشترط ماله لم يكن للبائع أخذه . [ ص: 331 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد شبه بعض الناس شراء العبد بشرط ماله بالدار تشترى ويشترط طرقها ومسايل مياهها وآبارها ، ولا يدرى كم الطريق ومسيلة الماء والآبار ، ولو أفرد حق الدار من الطرق وما ذكرناه فبيع لم يجز ، وهو في مال البيع تبع للدار .

                                                                                                                                                                              قال : فكذلك مال العبد تبع للعبد بالشرط .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية