الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر النهي عن سوم المرء على سوم أخيه

                                                                                                                                                                              7961 - حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، حدثنا الأنصاري قال: حدثني هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يستام الرجل على سوم أخيه" . [ ص: 140 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ومعنى قوله: "لا يستام الرجل على سوم أخيه": إنما هو إذا (أمكن البائع) ، وجعل يشترط عليه ويتبرأ من العيوب، وما أشبه هذا مما يعرف أن البائع قد أراد مبايعة السائم. وهذا قول مالك، وذكر أن هذا تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم، وقد احتج بعض من وافق مالكا رحمه الله على هذا المعنى فقال: إن نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسوم المرء على سوم أخيه مقرون إلى نهيه أن يخطب على خطبة أخيه، قال: فوجب أن يكون معنى نهيه أن يعترض على أخيه في بيع قد ساوم به وركن إليه فيفسده عليه بزيادة زادها على سومه، كمعنى من اعترض في خطبة قد ركن إلى الخاطب فيها فيفسد على الخاطب، واعتل في ذلك بمثل ما اعتل به الشافعي في حديث خطبة فاطمة بنت قيس، فإن الوقت المنهي عن السوم على سوم أخيه والخطبة على خطبة أخيه [وقت ركون] البائع ومن إليه أمر النكاح إلى السائم والخاطب .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فأما ما دام الرجل يساوم بالسلعة وهما مختلفان في الثمن فمباح أن يسوم على سوم أخيه استدلالا بحديث أنس .

                                                                                                                                                                              7962 - حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا الأخضر بن عجلان التيمي: أنه سمع شيخا من بني حنيفة يقال له أبو بكر [ ص: 141 ] يحدث عن أنس بن مالك: أن رجلا من الأنصار أصابه وأهل بيته جهد، فدخل عليهم فوجدهم مصرعين من الجهد والجوع فقال: ما لكم؟ قالوا: الجوع، أغثنا بشيء، فانطلق الأنصاري حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله، أتيتك من عند أهل بيت ما أرى أن أرجع حتى يهلكوا أو يهلك بعضهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يهلكهم؟ " قال: الجوع، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "أما عندك شيء"، قال: "فاذهب فأت بما كان من شيء"، فرجع الأنصاري فلم يجد شيئا إلا قدحا وحلسا، فأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله: "من يشتري هذا القدح والحلس؟ " فقال رجل: يا نبي الله أنا آخذهما بدرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يزيد على درهم؟ " قال أنس: فسكت القوم، فقال: "من يزيد على درهم؟ " فقال رجل: يا رسول الله، أنا آخذهما باثنين، قال: "هما لك"، فأعطاه درهمين وذكر باقي الحديث .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ولم يختلفوا في أن السائم إذا ترك السوم أن لمن أراد السوم أن يسوم .

                                                                                                                                                                              وقد قال بعض أصحابنا: أن في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يسوم الرجل على سوم أخيه" كالدليل على أن لا بأس بالسوم على سوم الذمي، قال: ولا يجوز للذمي أن يسوم على سوم المسلم، لأن المعنى في ذلك الفساد، فإذا منع المسلم من إدخال الفساد على أخيه المسلم، فالذمي أولى بالمنع من ذلك النهي عن بيع المرء على بيع أخيه . [ ص: 142 ]

                                                                                                                                                                              7963 - أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض" .

                                                                                                                                                                              7964 - أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا مالك وسفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع على بيع أخيه أن يتواخيا السلعة، فيكون المشتري مغتبطا أو غير نادم، فيأتيه رجل قبل أن يفترقا فيعرض عليه مثل سلعته أو خيرا منها بأقل من الثمن فيفسخ بيع صاحبه، فإن له الخيار قبل التفريق فيكون هذا فسادا. هذا قول الشافعي، والبيع يلزم على مذهبه إذا بايعه الثاني وهو عاص إذا كان بالنهي عالما .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وهذا الذي قاله جيد، وذلك أن في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبيع أحدكم على بيع أخيه" دليل على أن النهي إنما وقع على من فعل ذلك بعد أن تعاقدا البائع والمشتري البيع، إذ غير جائز أن يقال: يبيع على بيع أخيه وهما لم يتبايعا بعد . [ ص: 143 ]

                                                                                                                                                                              وفي هذا بيان أن الافتراق افتراق الأبدان، وإذا كان هكذا وبدا للمشتري أن يأخذ السلعة قبل أن يفترقا وفسخ البيع، فلا بأس أن يعرض عليه رجل سلعة، لأنه حينئذ تارك البيع. وكذلك لا بأس إذا افترقا المتبايعان عن مقامهما وصحت السلعة للمشتري وزال ملك البائع عنها أن يعرض على المشتري سلعة، لأن ذلك وقت يزول الإفساد فيه. وفيه حديث:.

                                                                                                                                                                              7965 - حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك، ولا يبيع على بيع أخيه حتى يترك" .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية