الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر اختلاف أهل العلم في ترك بعض ما ذكرناه من الشروط كترك المكان الذي يقبض فيه الطعام

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في ترك ذكر المكان الذي يقبض فيه الطعام في السلم .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: السلم فاسد. كذلك قال الثوري، وقال الأوزاعي : ذلك مكروه، وقال أصحاب الرأي كقول الثوري، لأنهم في أول كتاب محمد بن الحسن وصفوا ما يتم به السلم، قالوا: واشتراط المكان الذي يوفيه فيه، فإن ترك شيئا من هذا لم يشترطه فالسلم فاسد .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: السلم جائز، ويوفيه حيث وقع المال، واحتجوا بحديث أبي المنهال عن ابن عباس . هذا قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وطائفة من أهل الحديث .

                                                                                                                                                                              8094 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار في سنتين وثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلفوا في الثمار في كيل معلوم إلى أجل معلوم" . [ ص: 276 ]

                                                                                                                                                                              قالت هذه الفرقة: ففي تركه ذكر المكان الذي يقبض فيه الطعام دليل على أن ذلك لا يضره، ولا يفسد به السلم، إذ لو كان بتركه يفسد السلم لعلمهم ذلك .

                                                                                                                                                                              واختلف قول الشافعي في هذا الباب، فقال في كتاب البيوع: وأحب أن يشترط الموضع الذي يقبضه فيه واستحب ذلك، ولم يوجبه. وقال في كتاب البيوع في باب السلف في الحنطة: ويصف الموضع الذي يقبضها فيه، والأجل الذي يقبضها إليه، فإن ترك من هذا شيئا لم يجز .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: لا يفسد السلم بترك ذكر المكان الذي يقبض فيه الطعام، استدلالا بحديث ابن عباس، ويقبضه في الموضع الذي قبض فيه الثمن .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وخبر ابن عباس يدل على معاني منها: أن السلم لا يجوز [في] الشيء الموزون إلا بوزن معلوم، ولا يجوز في الشيء المكيل إلا بكيل معلوم .

                                                                                                                                                                              ومنها: أن السلم جائز وزنا في الشيء الذي أصله الكيل، لأنه جمع الأشياء فقال: "بكيل معلوم أو وزن معلوم" . [ ص: 277 ]

                                                                                                                                                                              ومنها: إجازة السلم في التمر - وإن لم يكن ذلك الوقت تمر موجود - إذا وجد وقت محل السلم .

                                                                                                                                                                              ومنها: إبطال السلم إلى الآجال المجهولة، وذلك مثل أن يقول: إلى الحصاد، أو الدراس، أو عيد النصارى، أو قدوم الحاج، أو قدوم الغزاة، وما أشبه قوله، لأنه لما قال: إلى أجل معلوم دل ذلك على أن السلم إلى الأجل المجهول غير جائز مع قوله - جل ثناؤه: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس ) .

                                                                                                                                                                              8095 - حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا سعيد، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث فقال: "من سلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" .

                                                                                                                                                                              8096 - وقال ابن علية : عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير بإسناده "كيل معلوم أو وزن معلوم" . [ ص: 278 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية