الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر النهي عن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ

                                                                                                                                                                              7953 - أخبرنا محمد بن عبد الله قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا مالك والليث، وابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ" .

                                                                                                                                                                              7954 - أخبرنا محمد قال: أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك .

                                                                                                                                                                              7955 - أخبرنا [ ...... ] قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني حيوة بن شريح قال: حدثني أبو هانئ، عن أبي سعيد مولى ابن عفان - أو عفان أنا أشك - قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تمنعوا فضل الماء ولا تمنعوا الكلأ فيهزل المال، ويجوع العيال" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: أما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء فظاهر ظاهره [ ص: 130 ] عام ومراده بعض المياه دون بعض، يدل على ذلك نهيه عن بيع فضل الماء، ويدل أيضا على أن ذلك معناه قول كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من أخذ ماء مباحا، مثل: أن يأخذ الرجل ماء من النيل أو الفرات في ظرف معه، أن له بيع ذلك، ولا يجوز أن يجمعوا على خلاف سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل ما ذكرت على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بنهيه عن بيع الماء بعض المياه دون بعض، ودل على أن الماء الذي يحوزه المرء ملك له، ليس لأحد أن يغلبه عليه، ولا يأخذه منه إلا بإذنه حديث جابر .

                                                                                                                                                                              7956 - حدثنا علان بن المغيرة، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثني عمارة بن غزية: أن أبا شرحبيل مولى الأنصار حدثه قال: دخلت أنا وإبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن أبي ربيعة على جابر بن عبد الله، وقد امتلأ البيت ناسا، قال: فرأيته يصلي في ثوب له أخضر (محنتم) مخالف بين طرفيه، فقلت بعد أن فرغ لجابر: تصلي في ثوب واحد وثوبك موضوع؟ فقال: [ ص: 131 ] إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك، فيسألني فأخبره كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، أقبلنا حتى إذا كنا بالقاحة قال: "من رجل ينطلق إلى حوض الأثاية [فيمدره] ويلوط فيه [وينزع] لنا حتى نأتيه؟ " فقلت: أنا رجل، وقال جبار بن صخر: أنا رجل، فانطلقنا حتى أتيناها أصلا فمدرناه ونزعنا فيه، حتى أن الماء ليسيل من شفتيه، ووضعنا رؤوسنا حتى [ابهار] الليل، فإذا رجل على راحلته، وهي تنازعه إلى الحوض وهو يكفها بزمامها حتى إن فقارها لتصيب الواسط، فسلم ثم قال: [أتأذنان؟] . قلنا: نعم، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى لها فشربت، ثم قال: "يا جابر، قد بي البطحاء"، فقدت به، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا فرغ من حاجته جئته بماء في ميضأة فتوضأ، ثم قام فصلى في ثوب واحد مخالف بين طرفيه، فصلى ثلاثة عشر ركعة من الليل كله . [ ص: 132 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وفي حديث رواه الليث بن سعد عن خالد في هذه القصة قال: وينزع فيه، وينزع لنا في أسقيتنا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فدل استئذانه الرجلين على أن ما استقياه في الحوض لهما، لأنه استأذنهما، فلما أذنا أرخى لها، فدل على أن ذلك لهما .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ويحتمل أن يدخل فيما نهي عنه من بيع الماء المجهول، كالمياه التي يتبايعها أهل المشرق وغيرهم: يبيع الرجل ما يجري في نهره ليلته أو وقتا في نهاره، لأن النهر قد يجري بالقليل وبالكثير، ويختلف ذلك في الشتاء وقت الأمطار، وفي الصيف في وقت قلة الماء اختلافا متباينا، وربما يستقي باب الذي يأخذه في ليلة أضعاف ما يستقيه في مثل تلك الليلة في وقت آخر، وكل ذلك غير موقوف على حده ولا مقداره، فكل ماء مجهول مما ذكرناه وما في معناه فالبيع فيه يفسد، وهو مما يدخل فيما هو منهي عنه من بيع الماء [وكل] ماء في بركة أو صهريج قد ادخر بمعرفته البائع والمشتري فشراء ذلك وبيعه جائز .

                                                                                                                                                                              وأما قوله: لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ فإن الرجل فيما بلغنا كان يحتفر البئر بناحية من الأرض وربما لم يكن بقرب بئره ماء لأحد، فإذا أخصبت الناحية التي بها بئره انتجعها أهل المواشي، فإن منعهم الماء يتسبب بمنعه ذلك إلى منع الكلإ المباح (لعلة) أن لا مقام لهم إذا منعهم ماء بئره على غير ماء فنهوا عن منع فضل الماء، لهذا المعنى - والله أعلم . [ ص: 133 ]

                                                                                                                                                                              وقال ابن وهب : سألت الليث بن سعد عن تفسير لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ، فقال: تفسيره: الرجل يكون له الماء يسقي به غنمه أو إبله، وحوله كلأ يرعى فيه فلا ينبغي له إذا رعى أحد عنده في ذلك الكلإ أن يمنعه أن يسقي من مائه إبله أو غنمه، فإنه إن منعه الماء لم يستطع أن يقيم عنده يرعى بغير ماء، فإذا منعه الماء منعه الكلأ فهذا تفسيره - والله أعلم .

                                                                                                                                                                              وقيل للأوزاعي: كيف يمنع فضل الماء؟ قال: يسقي به ثم يسيبه في الأرض فلا يعطيه أحدا .

                                                                                                                                                                              وقال مالك رحمه الله: لا يستقي الناس من بئر الماشية إلا عن فضل، فهم أحق بمائهم حتى يقع الفضل، وإذا وقع الفضل فالناس في الفضل أسوة .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل: إنما نهي عن بيع فضل ماء النهر والآبار والعيون في قراره .

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : الماء لا يبيعه أحد في مكانه الذي أخرجه الله منه أو أنزله فيه حتى يخرجه من مكانه .

                                                                                                                                                                              وروينا عن عطاء أنه سئل عن بيع الماء فنهى عنه . [ ص: 134 ]

                                                                                                                                                                              قال الراوي: فذكرت ذلك لقتادة فقال: إنما ذلك ماء البئر، وماء البئر فأما من يستقي ويبيع فلا بأس به .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية