الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأمر باجتناب ما شك المرء فيه وإن بابا من البيوع وسائر الأشياء

                                                                                                                                                                              8287 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، قال : حدثني [بريد ] بن أبي مريم ، عن أبي الحوراء [ ص: 452 ] قال : قلت للحسن بن علي : ما معك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان يقول : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .

                                                                                                                                                                              8288 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا أزهر بن القاسم ، قال : حدثنا هشام ، عن يحيى ، عن زيد بن سلام ، عن جده ممطور ، عن أبي أمامة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الإيمان ؟ قال : "إذا سرتك حسناتك وساءتك سيئاتك ، فأنت مؤمن " . قال : يا رسول الله ، ما الإثم ؟ قال : "إذا حاك في صدرك شيء فذره " .

                                                                                                                                                                              8289 - حدثنا الربيع بن سليمان ، وسليمان بن شعيب قالا : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، قال : سمعت عبد الرحمن بن جبير ابن نفير ، يحدث عن أبيه ، عن النواس بن سمعان قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم . قال : "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " .

                                                                                                                                                                              8290 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا الزبير أبو عبد السلام ، قال : حدثني أصحاب أيوب بن عبد الله بن مكرز الفهري ، عن أيوب بن عبد الله بن [ ص: 453 ] مكرز ، عن وابصة قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه ، فأتيته وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه فجعلت أتخطاهم فقالوا : إليك يا وابصة عن رسول الله . فقلت : دعوني فلأدنو منه ، فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه . فقال : "دعوا وابصة ، ادن يا وابصة " . فدنوت حتى قعدت بين يديه . فقال : "تسأل أم أخبرك ؟ " فقلت : لا ، بل أخبرني . فقال : "هل جئت لتسأل عن البر والإثم ؟ " فقلت : نعم . فجمع أنامله فجعل ينكت بها في صدري : "يا وابصة استفت نفسك ، واستفت قلبك" - ثلاث مرات - "البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك " .

                                                                                                                                                                              8291 - حدثنا أبو غانم البوشنجي ، قال : حدثنا غسان بن مالك ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الزبير أبي عبد السلام ، عن أيوب [ابن ] عبد الله بن مكرز ، عن وابصة الأسدي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . . فذكر الحديث . [ ص: 454 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد تكلم غير واحد من أصحابنا في معنى خبر النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : الشبهات تنصرف على وجوه فمنه شيء يعلم المرء بأن ذلك [محرما ] عليه ثم يشك هل يحل له ذلك أم لا ؟ فما كان من هذا النوع فهو على أصل التحريم لا يحل لأحد علم هذا التقدم عليه حتى يوقن بأن ذلك قد حل له بعد معرفته بتحريمه عليه ، وذلك مثل الصيد محرم على المرء أن ينال من لحم الصيد شيئا وهو حي قبل أن يذكى ، فإذا شك في ذكاته لم يزل التحريم المتقدم إلا بيقين ذكاته . وخبر عدي بن حاتم يدل على صحة هذا القول .

                                                                                                                                                                              8292 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عاصم بن سليمان ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إن أرضي أرض صيد . قال : "إذا أرسلت كلبك فخالطه كلب لم [يسم ] عليه فلا تأكل ، فإنك لا تدري أيهما قتله " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فلما كان الصيد محرما أن يؤخذ منه عضو وهو في حال الحياة فيؤكل حتى يذكى ، فكان هذا يقين تحريم ، ثم لما شك في الشاة من [الحي ] هل ذكيت أم لا ؟ كان ذلك على أصل التحريم حتى يوقن [ ص: 455 ] بالذكاة ، فينتقل المرء من يقين تحريم إلى يقين (علم) بالذكاة ، فيباح بيقين ما كان محظورا وممنوعا منه باليقين ، وهذا أصل لكل شيء محرم أنه أبدا على أصل تحريمه حتى يعلم أن الشيء المحرم قد صار بمعنى من المعاني حلالا ، ومن هذا المعنى أن يكون رجل له أخ لا وارث له غيره ، فيبلغه وفاة أخيه ولا يصح عنده ذلك ، فوطئ الجارية التي كانت محرمة عليه على سبيل ما كان ، حتى يعلم يقين وفاة أخيه وانتقال ملكه إليه ، فينتقل من يقين تحريم إلى يقين إباحة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وكل ما ورد عليك من هذا النوع من المأكول والمشروب ، وما كان من الحيوان والرقيق واللباس ، فالجواب فيه كالجواب في هذا .

                                                                                                                                                                              وكذلك لو أن شاتين : ذكية وميتة سلختا فلم يدر أيهما الذكية وأيهما الميتة كانتا محرمتين على ما ذكرناه حتى يعلم الذكية من الميتة ، ولا يحل أكل واحدة من المسلوختين بالتحري بوجه من الوجوه ، لأنهما كانتا محرمتين في الأصل ، وغير جائز الانتقال من يقين التحريم إلى شك الإباحة .

                                                                                                                                                                              والوجه الثاني : أن يكون الشيء للمرء حلالا ثم يشك في تحريمه فما كان من هذا الوجه ، فهو على الإباحة حتى يعلم يقين تحريم ، من ذلك إن تزوج المرأة نكاحا صحيحا فهي حل له ، فإذا شك هل طلقها أم لا ؟ لم يجب أن تحرم عليه بالشك ، وهي له على أصل الإباحة . ومثل ذلك أن يملك الرجل العبد الملك الصحيح أو الأمة ثم يشك في العتق ، فالجارية له وطئها ولا يجوز أن تحرم عليه بشك ، وكذلك له أن [ ص: 456 ] يستخدم العبد وله بيعه وهبته ، ولا يحرم عليه واحد منهما بشكه في عتقهما ، فما ورد عليك من المسائل من هذا الوجه ، فالجواب فيه هكذا ، أن الشيء الحلال لا يجوز أن يحرم على المرء إلا بيقين تحريم ، وفي هذا المعنى أن من أيقن بالطهارة ثم شك في الحدث لم يضره الشك ولا ينتقل عن يقين الطهارة إلا بيقين الحدث ، وقد ذكرنا حديث عبد الله بن زيد في هذا المعنى في كتاب الطهارة .

                                                                                                                                                                              والوجه الثالث : أن يشكل الشيء على الإنسان لا يدري حرام هو أو حلال ، لاحتمال أن يكون حلالا ، واحتمال أن يكون مما حرم عليه ، ولا أصل له عنده فيما تقدم يعتمد عليه . وهذا الوجه خلاف الوجهين الأولين ، فما ورد على المرء من هذا المعنى فالأصوب والأعلى فيه أن يستعمل المرء فيه ما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم في (الثمرة) التي وجدها يحتمل أن تكون له ، ويحتمل أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه ، فلما احتمل الوجهين وقف عن أكلها ، فكذلك ينبغي لكل من أصاب شيئا مشكلا أن يستعمل فيه ما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم في الثمرة [التي ] وجدها .

                                                                                                                                                                              8293 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، قال : حدثنا منصور ، عن طلحة بن مصرف ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق فقال : "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها " . [ ص: 457 ]

                                                                                                                                                                              8294 - أخبرنا محمد بن علي ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرني معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والله إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي ، فلولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لا يجوز أن يحكم على من نال شيئا هذا سبيله أن يكون آخذا حراما محضا لاحتمال أن يكون حلالا في حال ، ونحن نحب أن نقتدي في هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نخالف فعله . وقد ذكر بعض الناس أن مما هو داخل في أبواب الشبهة الضب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عن أكله ، وقال : "إني لا أدري لعله من القرون الأولى التي مسخت .

                                                                                                                                                                              8295 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بضب فأبى أن يأكله ، وقال : "إني لا أدري لعله من القرون الأولى التي مسخت " .

                                                                                                                                                                              8296 - وحدثنا الحسن بن علي بن عفان ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن حسنة قال : أصابتنا مجاعة فنزلنا [أرضا ] كثيرة الضباب قال : (فقلبت القدور بهن) . قال : فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكفئ القدور ، وقال : "إن أمة مسخت " . [ ص: 458 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فقال قائل : إن سبيل ما كان من هذا النوع من الشبه أن لا يحكم فيه بتحريم ولا تحليل ، غير أن الأعلى والأفضل الوقوف عن الدخول فيه واستعماله ، فيكون فاعل ذلك متبعا قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لست بآكله ولا محرمه" ومستعملا فعله حيث وقف عن أكله .

                                                                                                                                                                              8297 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان [عن عبد ] الله بن دينار قال : سمعت ابن عمر يقول : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضب ، وقال : "لست بآكله ولا محرمه " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد أكل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينه عنه ، وهو يشبه قوله : "لست بآكله ولا محرمه " .

                                                                                                                                                                              8298 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن ابن [عباس ] قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضبين مشويين وعنده خالد بن الوليد ، فأهوى النبي صلى الله عليه وسلم ليأكل ، فقيل له : إنه ضب . فأمسك يده ، فقال له خالد بن الوليد : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : "لا ، ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه " . فأكله خالد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه . [ ص: 459 ]

                                                                                                                                                                              8299 - حدثنا محمد بن بكر بن توبة ، قال : حدثنا أبو موسى ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رجل : يا رسول الله ، إنا بأرض مضبة فما تأمرنا ؟ أو ما تفتينا ؟ قال : "ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت " . فلم يأمرنا ولم ينهنا . قال أبو سعيد : فلما أن كان بعد ذلك قال عمر : لينتفع به غير واحد وإنه لطعام الرعاء ، ولو كان عندي لطعمته ، إنما عافه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فمن صفات المتقين أن يقفوا عما أشكل عليهم فلا ينالوا مما هذا سبيله شيئا ، كوقوف النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل التمرة لما قال : "لولا أن أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها " .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [قال ] : "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس [به ] حذرا لما به البأس " .

                                                                                                                                                                              8300 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو النضر ، قال : حدثنا أبو عقيل ، عن عبد الله بن يزيد ، عن ربيعة بن يزيد وعطية بن قيس ، عن عطية السعدي - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس " . [ ص: 460 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : يعرفك أنه لا يبلغ اسم التقوى عبد عبد الله إلا بتركه ما لا بأس به حذرا لما به البأس ، وحتى يستظهر بترك ذلك ، ألا ترى إلى قوله في خبر أبي أمامة "إذا حاك في صدرك شيء فذره " ، وفي حديث الحسن بن علي عليهما السلام "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، وفي حديث النواس ابن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " .

                                                                                                                                                                              وقد احتج بعضهم في هذا الباب بخبر رابع :

                                                                                                                                                                              8301 - حدثني عبد الرحمن بن يوسف ، قال : حدثنا أبو الربيع الحارثي عبيد الله بن محمد - بصري نزل تستر - ، قال : حدثنا ابن أبي فديك ، قال : حدثنا عبيد الله بن هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج ، عن أبيه ، عن جده قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الأمة حتى (يعرف) من أين هو .

                                                                                                                                                                              ومن هذا الباب حديث عقبة بن الحارث :

                                                                                                                                                                              8302 - حدثنا إسحاق ومحمد بن علي قالا : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة أن عقبة أخبره أو سمعه منه إن لم يكن خصه به أنه نكح أم يحيى ابنة أبي إهاب ، فقالت أمة سوداء : قد أرضعتكما . قال : فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض ، فجئت إليه الثانية فذكرت ذلك له فقال : "كيف وقد زعمت أن أرضعتكما " . ونهاه عنها . [ ص: 461 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وما أحسب نهيه عن ذلك إلا نهي اختيار واحتياط لما احتمل أن تكون صادقة فتحرم عليه واحتمل أن تكون غير صادقة فتكون زوجته ، أشار عليه بالأحوط من الأمرين إن شاء الله .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد سئلت عائشة عن لحم الصيد للمحرم فأفتت بنحو هذا لما أشكل عليها فيه الأمر .

                                                                                                                                                                              8303 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : سألت عائشة عن لحم الصيد للمحرم ؟ فقالت : يا ابن أخي إنها أيام قراب ، فما حاك في نفسك فدعه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وأولى الأشياء يجب أن يستعمل فيه التوقف والتأني وترك العجلة ، والتثبت في أمر الفتيا ، بل يحرم على من سئل عن أمر لا علم له به أن يجيب فيه ولكن ليقل : لا علم لي ، فإن الله ذكر عن ملائكته المقربين لما قال لهم : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) أن قالوا مجيبين : ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ) وقد استعمل نبي الله صلى الله عليه وسلم ذلك في أشياء سئل عنها ، من ذلك خبر محارب بن دثار [ ص: 462 ] عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : أي البقاع خير ؟ قال : "لا أدري" - أو سكت - فقال : أي البقاع شر ؟ قال : "لا أدري" - أو سكت - فأتاه جبريل فسأله فقال : لا أدري .

                                                                                                                                                                              فهؤلاء ملائكة الله المقربون ونبي الله صلى الله عليه وسلم سئلوا عما لا علم لهم به فقالت الملائكة : ( لا علم لنا ) ، وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : "لا أدري " ، وهذا الصديق جاءت الجدة إليه فسألته عن ميراثها ، فقال لها : ارجعي حتى أسأل الناس .

                                                                                                                                                                              8304 - حدثنا علي بن العزيز ، قال : حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة ، عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله عن ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله شيئا ، فارجعي حتى أسأل الناس ، فسأل الناس ، فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس ، فقال أبو بكر : هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثلما قال المغيرة ، فأنفذه لها أبو بكر ، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله شيء ، وما كان القضاء الذي قضى به إلا لغيرك ، وما أنا بزائد في الفرائض من شيء ، ولكن هو السدس ، فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما وأيكما خلت به فهو لها " . [ ص: 463 ]

                                                                                                                                                                              8305 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا حميد ، عن أبي رجاء ، عن أبي المهلب أن أبا موسى قال في خطبته : من علم علما فليعلمه الناس ، وإياه أن يقول ما لا علم له به ، فيكون من المتكلفين ويمرق من الدين .

                                                                                                                                                                              8306 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : أخبرنا أشهل بن حاتم ، قال : أخبرنا ابن عون ، عن محمد ، قال : قال حميد بن عبد الرحمن : لأن أرده بعيه أحب إلي من أن أتكلم له ما لا أعلم .

                                                                                                                                                                              8307 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود قال : إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون .

                                                                                                                                                                              8308 - حدثني محمد بن عيسى الهاشمي ، قال : حدثنا أبو إبراهيم الزهري ، قال : حدثنا محمد بن أبي زكين الصدفي ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : قال مالك رحمه الله : يقال : إن من الصواب أن لا يعجل الإنسان الفتيا والأمر حتى يتبين ويتثبت . والله أعلم . [ ص: 464 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية