الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              كتاب المضاربة

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر رحمه الله : لم نجد للقراض في كتاب الله ذكرا ولا في سنة نبيه عليه السلام ، ووجدنا أهل العلم قد أجمعوا على إجازة القراض بالدنانير والدراهم فوجب لما لم يكن له في كتاب الله ، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل أن يجاز منه ما أجمعوا عليه ، ويوقف على إجازة ما اختلفوا فيه منه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد رويت أخبار عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم تدل على تصحيح المضاربة .

                                                                                                                                                                              8355 - أخبرنا الربيع بن سليمان ، قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل - وهو أمير البصرة - وقال : لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت . ثم قال : بلى هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان متاعا من متاع العراق [ ص: 562 ] ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح . فقالا : وددنا ، ففعل . وكتب لهما إلى عمر أن يأخذ منهما المال ، فلما قدما المدينة باعا فربحا فلما دفعا إلى عمر قال لهما : أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما ؟ فقالا : لا . فقال عمر : (قال) ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما!! أديا المال والربح . فأما عبد الله فسكت ، وأما عبيد الله فقال : ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين ، لو هلك المال أو نقص لضمناه . فقال : أدياه . فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله ، فقال رجل من جلساء عمر : لو جعلته قراضا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه ، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح ذلك المال .

                                                                                                                                                                              8356 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن حميد بن عبيد الأنصاري ، عن أبيه ، عن جده ، قال : دفع إلي عمر مال يتيم مضاربة نضاربه فضربت فيه إلى البحرين ، فلما قدمت قاسمني الربح وأخذ مني رأس المال . [ ص: 563 ]

                                                                                                                                                                              8357 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن عثمان بن يسار ، عن أبي رزين قال : دفع عمر بن الخطاب إلى رجل مالا مضاربة .

                                                                                                                                                                              8358 - (حدثنا موسى ، قال : حدثنا خلف بن هشام ، عن مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، أن عثمان بن عفان دفع إلى جده مالا مضاربة على النصف ) .

                                                                                                                                                                              8359 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن إسماعيل الثقفي قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن جده قال : قارض عثمان على الشطر .

                                                                                                                                                                              8360 - ومن حديث الشافعي ، عن مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جده ، قال : جئت عثمان بن عفان فقلت : إن في السوق سلعة رخيصة . قال : فأعطاني مالا فاشتريتها له ثم بعتها فجئته برأس المال على حدة والربح على حدة ، ثم ذكرت له سلعة أخرى . قال : فدفع إلي مالا . قال : فقلت إن لي مالا وضيعة . قال : فقال عثمان : قد جعلته قراضا . [ ص: 564 ]

                                                                                                                                                                              8361 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن علي في المضارب إذا خالف قال : لا ضمان عليه ، هما على شرطهما .

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في دفع التبر من الذهب والفضة قراضا .

                                                                                                                                                                              فأجاز ذلك فريق وأبى آخرون . فممن رأى أنه جائز : أبو ثور ، واحتج بأنهم لما لم يفرقوا بين التبر من الذهب والفضة والدنانير والدراهم في إيجابهم الزكاة ، وجمعهم الفضة إلى الدراهم ، وتبر الذهب إلى الدنانير ، فكذلك المضاربة ، وذلك إذا كان معروفا جنسه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : لا يجوز ذلك . كذلك قال مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المضاربة بالفلوس .

                                                                                                                                                                              فكره ذلك ناس وأجازه آخرون ، وممن كره ذلك : الشافعي ، والنعمان ، ويعقوب ، وابن القاسم صاحب مالك . [ ص: 565 ]

                                                                                                                                                                              وكان ابن الحسن يقول : أستحسن أن تكون المضاربة بالفلوس كما تكون بالدنانير والدراهم ، لأنها ثمن مثل الدنانير والدراهم ، ولا تكون بما سوى ذلك .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول : إذا كانت موجودة في أيدي الناس معلومة لا يتفاضل بعضها على بعض كانت جائزة .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول : إذا دفع إليه دراهم نبهرجة ، أو زيوفا ، أو مستوقة مضاربة ، فكانت معلومة موجودة في أيدي الناس ، ليس لبعضها على بعض فضل فهو جائز ، وإن كانت رصاصا لم يجز .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي في النبهرجة والزيوف : المضاربة بها جائز . وقالوا في الستوق والرصاص : لا تجوز .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : منعوا أن تجوز المضاربة بين الذهب والفضة ، وأجازوا المضاربة بالدراهم والنبهرجة والزيوف ، وحكاية هذا القول تجزئ عن الإدخال على قائله . فإن قال قائل : التبر يختلف . قيل : وكذلك الزيوف من الدراهم تختلف ، ولن يدخل في التبر عملة إلا دخل عليه في الدراهم النبهرجة مثلها . [ ص: 566 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لا تجوز المضاربة إلا بالدنانير والدراهم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية