الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر النهي عن بيع الذهب بالذهب مع أحد الذهبين شيء غير الذهب

                                                                                                                                                                              8045 - حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا شبابة، حدثنا الليث بن [سعد] ، عن سعيد بن يزيد - ويكنى أبا شجاع - عن خالد بن أبي عمران [ ص: 188 ] المعافري، عن حنش الصنعاني، عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال: اشتريت قلادة يوم خيبر فيها خرز وذهب باثني عشر دينارا، فنقضتها فكان فيها من الذهب أكثر من اثني عشر مثقالا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يباع مثل هذا حتى يفصل" .

                                                                                                                                                                              8046 - أخبرنا محمد، أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو هانئ الخولاني أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول: سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يقول: أتي رسول الله وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم [بالذهب] الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب [وزنا بوزن] " .

                                                                                                                                                                              فكرهت طائفة ذلك ونهت عنه .

                                                                                                                                                                              وممن كان لا يرى ذلك شريح، ومحمد بن سيرين، والنخعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              ورخصت فيه طائفة، وممن رخص في ذلك: حماد بن أبي سليمان، كان حماد لا يرى بأسا أن يشتري الديباج المنسوج بالذهب ثم يستخرج [ ص: 189 ] منه ذهبا أكثر مما اشتراه به، ورخص في السيف المحلى يباع بالدراهم .

                                                                                                                                                                              وكان النخعي يقول: لا بأس بشراء السيف المحلى بالورق. وقال النعمان : من اشترى مصحفا أو سيفا وفي شيء من ذلك فضة نظر، فإن كانت الدراهم أكثر مما فيه من الفضة جاز البيع، وإن كانت الدراهم وزنها مثل الفضة أو أقل فسد البيع وقال أبو يوسف إذا اشترى ألف درهم بخمسمائة لم يجز، ولو أن رجلا باع مثقال ذهب تبر ودرهم فضة بدينار مضروب، ودرهمين مضروبين كان جائزا .

                                                                                                                                                                              وفي هذه المسألة قول ثالث: وهو أن من اشترى مصحفا أو سيفا أو خاتما [و] في شيء من ذلك فضة أو ذهب - بدنانير أو دراهم، فإن كان ما اشترى من ذلك وفيه الذهب بدنانير، فإنه ينظر، فإن كانت قيمة ذلك الثلثين، وقيمة ما فيه من الذهب الثلث، فجائز ذلك، لا بأس به فما اشترى من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته، فإن كان قيمة ذلك الثلثين، وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز، ولا بأس به. هذا قول مالك بن أنس وكان الليث بن سعد يقول في الخاتم فيه الفص من غير حجر أو حديد يشترى بالورق وزنا فقال: لا يصلح، إلا أن ينزع الفص منه ثم يوازنه، وإن اشتراه بذهب أو بغير الورق فلا بأس .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: خبر فضالة - لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ذلك - يدل على أن ذلك يبطل، سواء كان قيمة المقصود منه بالشراء الثلثين أو أقل أو أكثر، لأنه لم يستثن من ذلك، ولو كان لما قال الكوفي معنى يشبه أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 190 ] فلا يمنع من البيع، ولم يسأل عن قدر ذلك دل على إبطال تحديد من حدد الثلث أو الثلثين من ذلك، ودل حديثه أيضا على إبطال ما قاله الكوفي، والله أعلم .

                                                                                                                                                                              فبيع الذهب بالذهب مع أحد الذهبين شيء غير الذهب غير جائز على ظاهر خبر فضالة، وكذلك بيع الفضة بالفضة مع أحد الفضتين شيء غير الفضة .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية