الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر قوله : "الرهن مركوب ومحلوب"

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم فيمن له منفعة الرهن من ركوب الظهر ولبن الدر وغير ذلك . فقالت طائفة : كل ذلك للراهن ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من ذلك . هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وروي عن الشعبي وابن سيرين أنهما قالا : لا ينتفع من الرهن بشيء .

                                                                                                                                                                              وقال النخعي : كانوا يكرهون ذلك .

                                                                                                                                                                              ورخصت طائفة أن ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب دون سائر الأشياء ، للحديث الذي روي فيه "إن الرهن مركوب ومحلوب " . [ ص: 537 ]

                                                                                                                                                                              قال أحمد بن حنبل : لا ينتفع به إلا الدر ، [لحديث ] أبي هريرة .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال إسحاق . وحكي عن أحمد أنه قال : يحلب ويركب بقدر النفقة . وكان أبو ثور يقول : إن كان الراهن ينفق عليه لم ينتفع به المرتهن ، وإن كان الراهن لا ينفق عليه ، وتركه في يدي المرتهن فأنفق عليه ، فله ركوبه واستخدام العبد ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الرهن محلوب ومركوب ، وعلى الذي يحلب ويركب النفقة " ، فإذا أنفق على العبد استخدمه قياسا على السنة .

                                                                                                                                                                              8351 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا زكريا ، عن عامر ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ، ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يشرب ويركب نفقته " .

                                                                                                                                                                              8352 - حدثنا محمد بن إبراهيم بن عبد الحميد الحلواني قال : حدثنا شيبان بن فروخ ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الرهن مركوب ومحلوب " . [ ص: 538 ]

                                                                                                                                                                              8353 - أخبرنا النجار قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : "الرهن مركوب ومحلوب " .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المرتهن ينتفع بالرهن .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : إن كان من بيع فجائز ، وإن كان من قرض فلا . روي هذا القول عن الحسن ، ومحمد ، وبه قال أحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الرهن إلى أجل في الدور والأرضين ، وكرهت ذلك [في ] الحيوان والثياب . هذا قول مالك .

                                                                                                                                                                              وكره مالك ذلك في القرض ، لأنه يصير سلفا جر منفعة . [ ص: 539 ]

                                                                                                                                                                              وأبطلت طائفة اشتراط ذلك كله في الدور والحيوان وغير ذلك للمرتهن ، وجعلت ذلك كله للراهن . هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              8354 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن خالد الحذاء [و ] يونس ، عن محمد بن سيرين ، قال : جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال : إني أسلفت رجلا خمسمائة درهم ، ورهنني فرسا فركبتها - أو أركبها - قال : ما أصبت من ظهرها فهو ربا .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن عليه نفقة الرقيق ومؤنتهم .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : نفقة الرقيق على الراهن . كذلك قال الشافعي ، وأحمد وإسحاق ، وأبو ثور ، ومالك ، وعبيد الله بن الحسن . وقال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي في علف الدواب كذلك أنه على الراهن .

                                                                                                                                                                              وكان مالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد ، والنعمان يقولون : كفن العبد المرهون إن مات على الراهن . [ ص: 540 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إن أصاب الرقيق جراحة أو مرض أو دبرت الدواب كان إصلاح ذلك ودواؤه على المرتهن إذا كان الدين والقيمة سواء ، وإن [كان ] الدين أقل من قيمة الرهن فالمعالجة عليهما على الراهن والمرتهن بحساب ذلك . وهذا كله في قول الشافعي على الراهن ليس على المرتهن منه شيء ، وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المرتهن ينفق على الرهن بغير أمر الراهن .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : هو متطوع وليس له أن يرجع على الراهن ولا في الرهن بشيء . هذا قول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وقال أبو ثور : إذا أنفق المرتهن على الدابة والمملوك قدر ما ينفق مثله . ولم يكن له حاجة إلى أن يركب ويستخدم ألزمناه الراهن .

                                                                                                                                                                              وقال إسحاق : علف الدابة على المرتهن ، وله أن ينتفع بقدر العلف ، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم "الرهن مركوب ومحلوب " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : إذا أنفق كان متطوعا ولم يرجع على الراهن بشيء . [ ص: 541 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية