الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأمر بوضع الجوائح

                                                                                                                                                                              7861 - أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة، عن حميد بن قيس، عن سليمان بن عتيق، عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين، وأمر بوضع الجوائح . [ ص: 65 ]

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يشتري الثمرة شراء صحيحا، وخلى البائع بينها وبين المشتري ثم أصابت الثمرة جائحة. فقالت طائفة: يجب وضع الجوائح، على ظاهر حديث جابر بن عبد الله . هذا قول أحمد بن حنبل وأبي عبيد، وجماعة من أهل الحديث .

                                                                                                                                                                              7862 - حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: أخبرنا أنس بن عياض، قال: حدثني عبد الملك بن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: لو بعت من أخيك ثمرا ثم أصابته جائحة ما حل لك أن تأخذ منه شيئا، لم تأخذ مال أخيك بغير حق؟! .

                                                                                                                                                                              7863 - حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو بعت من أخيك (ثمرة) فأصابته جائحة، فلا حل لك أن تأخذها (لم) تأخذ مال أخيك بغير حق؟! " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فاحتج من وضع الجوائح بظاهر هذه الأخبار، وقال: النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح، وقد فرض الله طاعته، ولا يجوز ترك ظاهر الخبر للشيء يتوهمه متوهم، ولا لتوهين ذكره ذاكر، ولا يجوز ترك ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لسنة مثلها، أو إجماع، [ ص: 66 ] فلا نعلم سنة عارضت هذه السنة، ولا أجمع أهل العلم على القول بخلاف حديث جابر .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يرجع من اشترى الثمرة، وسلمت إليه بالجائحة تصيب الثمرة على البائع. هذا قول الشافعي، قال الشافعي: قال سفيان: كان حميد يذكر بعد ذكر بيع السنين كلاما من قبل وضع الجوائح لا أحفظه. قال الشافعي: وقد يجوز أن يكون الكلام الذي لم يحفظه سفيان من حديث حميد يدل على أمره بوضعها على مثل ما أمر بالصلح قضاء على الخبر، ويجوز غيره، فلما احتمل ذلك لم يجز أن نحكم على الناس في أموالهم بوضع ما وجب [لهم] إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت [بوضعه] . وحكي عن النعمان أنه قال: لا يرجع بالجائحة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ومال إلى هذا القول الليث بن سعد .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: الجائحة التي توضع عن المشتري: الثلث فصاعدا، ولا يوضع أقل من الثلث، والجائحة من الريح، والحريق، والبرد، وإن كان أقل من الثلث فمن مال المشتري .

                                                                                                                                                                              وقال مالك رحمه الله: ليس جائحة الزرع جائحة. وكل ما بيع من الثمار بعد ما يبس فلا جائحة فيه . [ ص: 67 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: ومال إسحاق إلى أن يخفف الثلث عن الذي اشترى .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقال بعض أهل العلم: معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة ما حل لك أن تأخذ منه شيئا، لم تأخذ مال أخيك بغير حق؟!: إنما هو أن تبيعه الثمرة قبل يبدو صلاحها". قال: والدليل على أن ذلك كذلك: خبر حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، قال رسول الله: "أرأيت إن منع الله الثمرة، فبم يأخذ أحدكم مال أخيه" .

                                                                                                                                                                              قال: فدلت هذه اللفظة إذ هي موافقة للفظ حديث جابر - أن المراد من حديث جابر: من باع ثمرة لم يبد صلاحها، ولو لم يكن كذلك لم يفد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها شيئا، ويستحيل أن يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بما لا معنى له، وإذا ثبت أن بائع الثمرة بعد أن يبدو صلاحها بائع ما أذن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعه، وإحراز ثمنه، وأخذه بحق، بان أن مآل أخذ مال أخيه بغير حق: من باع ثمرة لم يبد صلاحها . [ ص: 68 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية