الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الشركة والتولية والإقالة في الطعام

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يشتري الطعام فيوليه آخر أو يشركه فيه قبل القبض .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : التولية والشركة بيع ، ولا يجوز بيع الطعام حتى يقبضه المشتري ، كذلك قال سفيان الثوري ، وعبيد الله بن الحسن ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، والنعمان . وممن رأى أن التولية بيع : الحسن ، ومحمد بن سيرين ، وعطاء ، والحكم بن عتيبة ، والزهري . [ ص: 380 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : لا بأس بالشركة والإقالة والتولية في الطعام وغيره ، وإنما أنزلوه على وجه المعروف ولم ينزلوه على وجه البيع . كذلك قال مالك ، وكان الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، والنعمان يجيزون الإقالة في الطعام ، لأنه فسخ بيع .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أما التولية والشركة فليس يخلو ذلك من أحد معنيين : إما أن يكون ببيع أو هبة ، فلما أجمعوا أن ذلك ليس بهبة ثبت أنه بيع ، وإذا كان بيعا لم يجز بيع الطعام قبل أن يقبض لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، وأما الإقالة ففي إجماعهم على أن النبي عليه السلام نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبض مع إجماعهم على أن له أن يقيل المسلم إليه ويفاسخه جميع السلم دليل على أن الإقالة ليس ببيع ، إذ لو كان بيعا لم يجز أن يجمع الجميع على خلاف سنة ثابتة .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الإقالة على أن يعطيه المشتري شيئا . فكرهت طائفة ذلك . وممن كره ذلك الشافعي ، وكذلك قال أحمد ، وإسحاق ، إلا أن يكون تغيرت السلعة . وكره ذلك ابن عباس ، وابن عمر .

                                                                                                                                                                              8177 - حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا أبو شهاب ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه كره أن يبتاع البيع ثم يرده ويرد معه درهم . [ ص: 381 ]

                                                                                                                                                                              8178 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه كان يكره أن يبيع الرجل الثوب ويقول لصاحبه : إن كرهته فرد معه درهما ، وقال : هذا مما قال الله : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) .

                                                                                                                                                                              8179 - وحدثنا محمد ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو إسحاق الكوفي ، عن أبي جرير الأزدي ، عن ابن عمر أنه باع ناقة من رجل فقدم المشتري فطلب إلى ابن عمر أن يقبل ناقته وخمسين درهما فقبل ابن عمر ناقته ورد عليه الخمسين .

                                                                                                                                                                              ورخصت طائفة في ذلك . وممن رخص فيه : شريح ، وابن سيرين ، والأوزاعي ، والزهري . وقال مالك في الرجل يبتاع العبد أو الأمة بمائة دينار إلى أجل ثم يقدم البائع فسأل المبتاع أن يقيله بعشرة دنانير يدفعها إليه ، أو إلى أجل مسمى ، ويمحو عنه المائة التي عليه . قال مالك : لا بأس بذلك ، وإن تقدم المبتاع فسأل البائع أن يقيله في الجارية أو في العبد ويزيده عشرة دنانير نقدا ، أو إلى أجل أبعد من [ ص: 382 ] الأجل الذي اشترى إليه العبد أو الجارية ، فإن ذلك لا ينبغي ، وإنما كره ذلك ، لأن البائع كأنه باع مائة دينار إلى سنة قبل أن تحل المائة دينار بجارية وبعشرة دنانير نقدا ، أو إلى أجل أبعد من السنة ، فدخل في بيع الذهب بالذهب إلى أجل .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية