الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر إجازة من شرط البائع على المبتاع عتق المبيع

                                                                                                                                                                              8131 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا ليث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة زوج النبي عليه السلام أخبرته أن بريرة جاءتها تستعينها في كتابتها فلم تكن قضت من كتابتها شيئا . فقالت لها عائشة : ارجعي إلى أهلك ، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت ، فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا : إن شاءت أن تحتسبها عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق" ، قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له ، وإن شرط مائة مرة ، شرط الله أحق وأوثق " . [ ص: 322 ]

                                                                                                                                                                              8132 - أخبرنا الربيع ، قال : أخبرنا الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عائشة ، أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها ، فقال أهلها : نبيعكها على أن ولاءها لنا ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "لا يمنعك ذلك ، فإنما الولاء لمن أعتق " .

                                                                                                                                                                              8133 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني الحكم ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة أنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها وأن مواليها اشترطوا ولاءها ، فذكرت ذلك للنبي عليه السلام فقال : "اشتريها وأعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعطى الثمن " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : احتج بأخبار عائشة هذه من أجاز شراء العبد على أن يعتق ، فأجاز هذا الشرط بين الشروط ، (وأبطل كل شرط سوى هذا الشرط) من بين الشروط ، وأجاز البيوع لما قال النبي عليه السلام لعائشة ، وقال أهل بريرة "نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله فقال : "لا يمنعك ذلك ، فإنما الولاء لمن أعتق" وأبطل الشرط وأثبت البيع .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وعلى هذا المثال إذا اشترط البائع في عقد البيع على المشتري أن لا يبيع ما اشترى ولا يهب ولا يطأ ، فهذه الشروط كلها تبطل ويثبت البيع ، لأن الله أحل وطء ما ملكت اليمين ، وأباح للناس أن يبيعوا [ ص: 323 ] أملاكهم ويهبوا ، وإذا اشترط البائع على المشتري هذه الأشياء أو بعضها فقد اشترط شروطا خلاف كتاب الله ، فهذا مثل اشتراط أهل بريرة على عائشة أن ولاءها لهم ، فلما أبطل النبي عليه السلام الشرط وأثبت البيع ثم قال : "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له ، وإن كان مائة شرط" ، فيبطل كل شرط اشترطه البائع مما ذكرت إذا اشترط شروطا خلاف كتاب الله ثبت البيع استدلالا بحديث عائشة .

                                                                                                                                                                              8134 - أخبرنا حاتم بن منصور ، أن الحميدي حدثهم ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة أنها قالت : أردت أن أشتري بريرة فأعتقها ، فاشترط علي مواليها أن أعتقها ويكون الولاء لهم ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : "اشتريها فأعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق" ، ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال : "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله فمن شرط شرطا ليس في كتاب الله فليس له ، وإن شرط مائة مرة ، إنما الولاء لمن أعتق " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ومما هو ظاهر أن الولاء الذي يشترطه البائع على المبتاع للمبتاع استدلالا بأن أهل بريرة لما اشترطوا الولاء فأبطل النبي عليه السلام شرطهم وأعلمهم بأن الولاء للمعتق . [ ص: 324 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية