الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الحوالة بالدين على الملي وغير الملي .

                                                                                                                                                                              8373 - أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مالك ، وابن أبي الزناد ، عن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "مطل الغني ظلم ، ومن أتبع على ملي فليتبع " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : يدل هذا الخبر على معان منها : أن من الظلم دفع الغني صاحب المال عن ماله بالمواعيد ، ومن لا يقدر على القضاء غير داخل في هذا المعنى ، لأن الله قد أنظره ، قال الله سبحانه : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) . [ ص: 605 ]

                                                                                                                                                                              وقال النبي صلى الله عليه وسلم في رجل أصيب في ثمار ابتاعها لغرمائه : "خذوا ما قدرتم عليه ، وليس لكم إلا ذلك " . وفيه ما دل على تحصين الأموال لما أمر باتباع الملي دون المعدم ، لأنه حصن بقوله : "ومن أتبع على ملي فليتبع" أي : من أتبع على غير ملي فليس عليه أن يتبع . وفيه دليل على أن المحيل بالمال على آخر لا سبيل إليه عند الإفلاس من تحول المال عليه أو موته .

                                                                                                                                                                              وفي قوله : "ومن أتبع على مليء فليتبع" دليل على تحويل المال عن المحيل إلى المحال عليه ، ولو لم يكن كذلك ما ضره لو أحيل على معدم ، لأن أصل المال على المحيل ، فلما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبع المليء دل على أن المال تحول عن المحيل إلى المحال عليه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ومن الحجة على ما ذكرناه إجماعهم - إلا قول شاذ شذ عنهم - على أن المال تحول عن المحيل إلى المحال عليه قبل إفلاسه أو موته . وإذا اختلفوا بعد إجماعهم على أن المال قد تحول عنه بإفلاس المحال عليه أو موته لم يجز أن ينقض ذلك ، ويرجع بالمال على المحيل بغير حجة .

                                                                                                                                                                              وقد تكلم متكلم من أصحابنا في امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الذي كان عليه الدين فقال : يشبه أن يكون ترك الصلاة عليه ، لأنه مطل بالدين وهو واجد ثم أعسر عند وفاته ، وغير جائز أن يكون عاقبه في ترك الصلاة عليه إلا لظلم كان منه . [ ص: 606 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية