الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر عدد الأيام التي جعلت لمبتاع المصراة الخيار فيها

                                                                                                                                                                              7904 - أخبرنا محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري : أن سهيل بن أبي صالح أخبره، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر" .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيما يرده مشتري المصراة مكان اللبن. فقال أكثر أهل العلم: هو بالخيار بعد أن يحلبها: إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعا من تمر . [ ص: 98 ]

                                                                                                                                                                              كذلك قال مالك، ومن قال بقوله من أهل المدينة، وبه قال الليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وثبت ذلك عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                              7905 - حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا أبو الربيع، حدثنا حماد، حدثنا أيوب عن محمد، عن أبي هريرة، قال: من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فمن ردها رد معها صاعا من تمر، لا سمراء .

                                                                                                                                                                              7906 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله، أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا سليمان، عن أبي عثمان، قال عبد الله: من اشترى محفلة فردها فليرد معها صاعا .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: هو بالخيار بعد حلبها، فإن شاء ردها، ورد معها قيمة اللبن. وكذلك حكي عن ابن أبي ليلى . وبه قال أبو يوسف . أبو عبيد عنه .

                                                                                                                                                                              وقال بعضهم: أهل البلدان إذا نزل بهم هذا يعطوا الصاع من عيشهم، أهل مصر الحنطة، وهو عيشهم . [ ص: 99 ]

                                                                                                                                                                              7907 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن أيوب وحبيب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء ردها ورد معها صاعا من طعام، لا سمراء" .

                                                                                                                                                                              7908 - حدثنا محمد بن بكر، حدثنا بندار، حدثنا ابن أبي عدي، عن ابن عون، عن محمد: أنه سمع أبا هريرة يقول: لا سمراء: تمر، ليس ببر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: لا يجوز دفع البر مكان التمر من وجوه أحدها: أنه خلاف الحديث، لأن في الحديث صاعا من تمر ليس ببر. والوجه الثاني: أن ذلك بيع الطعام قبل أن يقبض، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. والوجه الثالث: أن التمر على مشتري المصراة، غير معروف صفته، ولا لونه، والتمور مختلفة الجودة والقيم، لأن للمشتري أن يأتي به من أي تمر شاء فبائع ذلك بقمح بائع تمرا غير معلوم ولا موصوف، فذلك يبطل، لأن ذلك يشبه بيوع الغرر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وخالف النعمان كل ما ذكرناه، وقال: إذا حلب [ ص: 100 ] المصراة فليس له أن يردها، لأنه قد أخذ منها شيئا لا يستطيع رده قال: وذلك بمنزلة لو قطع عضوا من أعضائها. فترك النعمان أن يقول بالحديث حيث يجب أن يقال به، ثم قاس على هذا الخبر الذي دفعه، فقال: لا يجوز خيار أكثر من ثلاث في سائر أبواب البيوع .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الوقت الذي جعل لمشتري المصراة الخيار فيه .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي، وجماعة من أصحاب الحديث يجعلون لمشتريه خيار ثلاث، وقال بعض المدنيين: ليس في حديث مالك ذكر وقت الخيار، فكان مذهب هذا القائل أن له الخيار متى تبين له أنها مصراة أن يردها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، وذلك أن ذكر خيار الثلاث في خبر المصراة ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قال بظاهر خبر أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، جعل له الخيار بعد أن يحلبها، وفي حديث ابن سيرين عن أبي هريرة أن الخيار الذي جعل له ثلاثة أيام، فاللازم أن يكون له خيار ثلاث بعد الحلب على ظاهر هذين الحديثين، والله أعلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية