الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في المال يضمنه الرجل عن الرجل هل يبرأ المضمون عنه من المال ؟ أم لصاحب المال أن يطالب أيهما شاء حتى يستوفي ماله ؟

                                                                                                                                                                              هذا قول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأصحاب الرأي ، وهو قول أكثر علماء الأمصار . وكان مالك بن أنس يقول في الرجل يكتب حقه على الرجلين : حيكما عن ميتكما ، وشاهدكما عن غائبكما ، وأيكما شئت أخذت بحقي . قال : ذلك جائز لا بأس به .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : الكفالة ، والحوالة ، والضمان سواء ، ولا يجوز أن يكون شيء واحد على اثنين على كل واحد منهما المال كله . هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وكان ابن أبي ليلى يقول : إذا ضمن الرجل عن صاحبه مالا تحول المال على الكفيل وبرئ صاحب الأصل إلا أن يشترط المكفول له [ ص: 602 ] عليهما أن يأخذ به أيهما شاء . وقال ابن شبرمة : وإن اشترط ذلك ، فإن خير الطالب فيهما ، فإن اختار أحدهما أبرأت الآخر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : واحتج القائل لهذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع على الصلاة على الميت الذي عليه الدين قبل ضمان أبي قتادة المال عنه ، وصلى عليه بعد ضمانه المال عنه ، يدل ذلك على الفرق بين الحالين ، وعلى براءة الميت من الدين بضمان أبي قتادة عنه .

                                                                                                                                                                              وقال آخر من أصحابنا : هذا غلط [ممن ] يدعيه ، والسنة والإجماع دالان على غفلة هذا القائل ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمتنع من الصلاة على من عليه دين لم يترك له وفاء ، فلما كانت هذه سنته صار الميت بضمان أبي قتادة عنه المال كمن ترك وفاء لدينه . وأما الإجماع : فليس بينهم اختلاف أن من ضمن مالا عن رجل من حيث لا يعلم الذي له المال أن المضمون عنه لا يبرأ من المال ، وأن لصاحب المال أن يطالب غريمه ، فقياس ما أجمعوا عليه من هذه المسألة أن الميت لم يبرأ بضمان أبي قتادة عنه دون أن يؤدي المال عنه .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية