الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسألة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يشتري من الرجل الثوب يشترط المشتري في عقد البيع على البائع أن عليه خياطته أو قصارته أو يشترط إن كان طعاما على البائع طحنه .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : البيع باطل ، لأن هذا بيع وإجارة ، ولا يعلم حصة الإجارة من ثمن السلعة .

                                                                                                                                                                              كذلك قال الشافعي ، والثوري ، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إذا اشترط أحد هذه الثلاثة الأشياء فالبيع جائز ، فإن اشترط شيئين مثل خياطته وقصارته فالبيع باطل ، لأن هذا من شرطين في بيع . هكذا قال أحمد ، وإسحاق . [ ص: 340 ]

                                                                                                                                                                              ولمالك رحمه الله في هذا الباب أجوبات مختلفة : قال مالك : إذا اشترى السمسم والفجل والزيتون على أن على البائع عصره فهو مكروه ، وكذلك القمح يشتريه على أن على البائع حصاده ودياسه وذريه يشتريه زرعا قائما لا خير فيه .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : لو ابتاع من رجل ثوبا على أن يخيطه له لم أر بذلك بأسا . ولو ابتاع قمحا على أن يطحنه قال : فيه مغمز وأرجو أن يكون خفيفا .

                                                                                                                                                                              وحكي عنه أنه قال في الرجل يبيع ولد جاريته ويشترط أن أمه ترضعه سنة قال : إذا كان إذا أعجلت الأم أو ماتت أخلف للمشتري من يتم له رضاعه رأيت ذلك جائزا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : هذا مع ما فيه من جهل البائع والمشتري بحصة الثمن من حصة الإجارة ، إجازة للتفريق بين الوالدة وولدها (في البيع ، وهذا غير جائز للحديث الذي روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من فرق بين الوالدة وولدها) فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إذا اشترى طعاما بطعام أو بغيره مما يكال أو يوزن فاشترط [ ص: 341 ] عليه أن يوفيه إياه في منزله ، وهما في المصر الذي فيه المنزل ، فذلك جائز ما خلا الطعام ، فإنه قد أخذ طعام بطعام فضل فلا خير فيه . وكذلك لو اشترط عليه أن يوفيه إياه في منزله غير أنا نستحسن في هذا خصلة واحدة إذا كان في مصر واحد ، واشترط عليه أن يوفيه إياه في منزله فلا بأس به ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وحكى أبو ثور عنهم أن ذلك إذا كان خارجا من المصر لم يجز . وقال أبو ثور : إذا اشترى منه طعاما على أن يوفيه في منزله ، فالبيع جائز وعليه حمله إلى منزله ، وهذا بمنزلة السلم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : كل هذا غير جائز إذا اشترط في عقد البيع ، وذلك أن الأثمان لا تجوز عند أهل العلم إلا معلوما ، فإذا اشترط على البائع عملا أضيف إلى البيع ولم يميز حصة العمل من الثمن كان الثمن مجهولا وفسد البيع .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يبيع الشاة ويستثني رأسها أو جلدها .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : لا يجوز ذلك ولا يستثني منها رأسا ولا غيره . كذلك قال الشافعي ، وحكى الثوري أنه قال : إذا اشترط رأسها في البيع فالبيع فاسد . وكان مالك لا يرى بأسا أن يستثني من لحمها أرطالا يسيرة ، ويكره أن يشترط أرطالا كثيرة ، وقال : لا يجوز أن يستثني جلد الشاة في القرى حيث يكون للجلود ثمن ، لأن ذلك غرر ، ولا بأس أن يشترط بائعها إهابها بالفلوات والطرق ، وحيث لا يكون لذلك الجلد [ ص: 342 ] مشتر ، ولا يكون فيه كثير غرر . وقال مالك رحمه الله : لا بأس أن يبيع الرجل الشاة ويستثني رأسها وأكارعها أو ثلثها أو ربعها . وقال الأوزاعي : إذا قال : أبيعك هذه الشاة ولي يدها أو رجلها إذا أخذ في ذبحها عند البيع ، فإن كان فيه تأخير فإني أكرهه ، وكره أن يستثني من لحمها أرطالا . وقيل لأحمد بن حنبل : باع بقرة واشترط رأسها ، ثم بدا له فأمسكها فقضى زيد بشروى رأسها ، قال : أقول : هكذا يكون شريكا في البقرة ، فيقوم الرأس مع اللحم فيكون له بقدر الرأس ، والبيع جائز ، وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              8153 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن زيد ، وأصحاب النبي عليه السلام في رجل باع بهيمة واشترط رأسها فقضى زيد بشروى الرأس على المشتري .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : جابر متروك الحديث ، والشعبي لم يلق زيدا ، وروي عن شريح رحمه الله أنه قضى بمثل ذلك بشروى . [ ص: 343 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية