الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الخبر الدال على أن السلم إنما يتم بدفع الثمن ساعة يسلم ولا يجوز أن يكون الثمن إلى أجل لأن ذلك يكون دين بدين

                                                                                                                                                                              8103 - حدثنا يزيد بن عبد الصمد الدمشقي، قال: حدثنا هشام بن إسماعيل، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري، قال: حدثنا عبد السلام بن سالم الكلاعي، عن محمد بن حمزة بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه، عن جده أن زيد بن سعنة بن عمرو بن الحارث كان حرا، فلما دخل الإسلام في قلبه قال: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته بوجه محمد حين نظرت إليه إلا آيتين لا أخبرهما منه: أن يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل إلا حلما، [ ص: 287 ] قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من الحجرات معه علي فجاء رجل يسير على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، إن نصارى قرية بني فلان قد أسلموا، وقد حدثتهم إن أسلموا أتاهم رزقهم رغدا، وقد أصابتهم سنة شديدة وقحوط، وأنا أخاف أن يخرجوا من الإسلام كما دخلوا فيه، فإن رأيت أن تبعث إليهم بشيء فتغنيهم به فافعل. قال زيد بن سعنة : أنا أبتاع منك يا محمد كذا وكذا وسقا من حائط بني فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أبيعك أوساقا مسماة من حائط مسمى إلى أجل مسمى، ولكن أبيعك أوساقا مسماة إلى أجل مسمى". قال: قال زيد: فأطلقت همياني وابتعت منه، فأعطيته ثمانين دينارا فأعطاها الأعرابي، فقال: "اعجل عليهم وأغثهم". فلما كان قبل محل أجل حقي يومين أو ثلاث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الصحابة ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فلما صلى على الجنازة ودنا [جلس] إلى الجدار جبذت رداءه جبذة سقط من عاتقه، ثم أقبلت عليه بوجه جهم غليظ فقلت: ألا تقضي يا محمد، فوالله (إنك ما علمت يا بني عبد المطلب لقوم مطل) ، وإن كان (نولي) بمخالطتكم (لعالم) قال: فأرعدت فرائص عمر حتى كان كالفلك - يعني المستدير - ورماني ببصره ثم قال: أي عدو الله [ ص: 288 ] تقول هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصنع به ما أرى! فوالذي بعثه بالحق لولا أمرا أخاف لضربت بسيفي رأسك. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر في تؤدة وسكون وتبسم ثم قال: "أنا وهو إلى غير هذا منك كنا أحوج، أن تأمرني بحسن الأداء، أو تأمره بحسن القناعة، فاذهب فأعطه حقه، وأعطه مكان ما رعته عشرين صاعا"، فذهب عمر فقضى وأعطاني عشرين صاعا، فلما فرغ قال: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا. قال: أنازيد بن سعنة. قال: الحبر؟ قلت: نعم. قال: فما حملك على ما سمعت من مقالتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا قد عرفته منه [حين] نظرت إليه، غير اثنين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده الجهل إلا حلما، وإني قد رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وإني أشهدك يا عمر أن شطر مالي - فإني أكثر أهلها مالا - صدقة على أمة محمد .

                                                                                                                                                                              فقال عمر: أو على بعضهم؟ فقال زيد: أو على بعضهم، فرجع زيد وعمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فبايعه وآمن به وصدقه
                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وفي قوله: "أبيعك أوساقا مسماة إلى أجل مسمى" دليل [ ص: 289 ] على أن السلم بيع من البيوع، وعلى انعقاد السلم إذا عقد باسم البيع، وإن لم يذكر اسم السلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية