الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسألة :

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم على أن من باع معلوما من السلع حاضرا بمعلوم من الثمن ، وقد أحاط البائع والمشتري معرفة بالسلعة أن البيع جائز .

                                                                                                                                                                              وأجمعوا على أن من باع سلعة بثمن مجهول غير معلوم ولا مسمى ولا ثمنا قائما أن البيع فاسد .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن باع سلعة لم يرها المشتري ، ووصفها له البائع بصفة معروفة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : البيع جائز ، والمشتري بالخيار ، كانت السلعة على النعت التي وصفت له أم لم تكن . هكذا قال سفيان الثوري ، وأصحاب الرأي . وقال الشعبي ، والحسن ، والنخعي : من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه ، إن شاء أخذه ، وإن شاء تركه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إذا خرجت السلعة على الصفة التي وصفت له فالبيع جائز ولا خيار له ، وإن كانت على غير الصفة فله الخيار . هذا قول محمد بن سيرين ، وأيوب السختياني ، ومالك بن أنس ، وعبيد الله بن الحسن ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وابن نصر . [ ص: 360 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : وهو أن البيع بيعان لا ثالث لهما : بيع صفة مضمونة على بائعها ، فإذا جاء بها فلا خيار للمشتري فيها إذا كانت على صفتها ، وبيع عين بعينها يسلمها البائع للمشتري ، فإذا تلفت لم يضمن سوى العين التي باع . هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقد أجاز الشافعي بيع العين الغائبة ، وجعل للمشتري الخيار فيه مرة .

                                                                                                                                                                              وقال الحكم وحماد في الرجل يشتري العبد وقد رآه بالأمس ولم يره يوم اشتراه ، قالا : لا يجوز حتى يراه يوم اشتراه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فالذي أقول به أن السلعة إذا كان البائع عالما بها ووصفها للمشتري بصفة معروفة أن البيع جائز ، فإن خرجت على الصفة التي وصفها البائع لزم المشتري ذلك ولم يكن له خيار ، والحجة في إجازة هذا البيع قول الله عز وجل : ( وأحل الله البيع ) ، وهذا بيع معلوم قد تراضى به المتبايعان ، ولا يجوز إبطال هذا البيع إلا بحجة من كتاب ، أو سنة ، أو اتفاق . وقد أذن النبي عليه السلام في بيع السلم وهو مضمون على البائع بصفة معلومة ، فالشيء القائم إذا وصف أولى أن يجوز ، مع أني لا أعلم أحدا من السلف أبطل هذا البيع إلا ما ذكرته من أحدى قولي الشافعي ، وما حكيته عن الحكم وحماد . على أن الشافعي قد أجاز هذا البيع في غير من كتبه وأبطله في غير موضع ، وقوله الذي يوافق قول سائر العلماء ويوافق هذا الكتاب أولى به . وهذا [ ص: 361 ] بيع داخل في جملة ما أبيح من البيوع غير خارج منه بكتاب ولا سنة ولا إجماع ، والله الموفق .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية