الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر بيع ما يكال ويوزن مما لا يؤكل ولا يشرب

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في بيع الشيء مما يكال ويوزن مما لا يؤكل ولا يشرب يباع بالشيء من جنسه متفاضلا يدا بيد، وذلك مثل: القطن، والصوف، والورس، والحناء، والعصفر، وما أشبه ذلك. فقالت طائفة: لا يباع شيئا مما يكال أو يوزن من المأكول والمشروب، وغير المأكول والمشروب، إذا كان يكال أو يوزن اثنان بواحد، ولا يجوز إلا مثلا بمثل، فإذا اختلف النوعان فلا بأس به اثنان بواحد، هذا قول النعمان، ولا يجوز في قوله رطل حديد [ ص: 206 ] [برطلي] حديد، وفي قول محمد بن الحسن: لا بأس أن يشتري الحديد بالنحاس، والنحاس بالرصاص متفاضلا ولا خير في ذلك نسيئة، وكذلك القطن والكتان والشعر والصوف يشتريه واحد باثنين إذا اختلف النوعان يدا بيد، ولا خير فيه نسيئة. وكان النخعي يقول: مما حمل لك منه بابا إن أخذت به ما كان من شيء واحد مما يوزن فلا يأخذن إلا عينا بعين، فإذا اختلفا فزاد وازداد وما كان من شيء واحد مما يكال فلا يؤخذ إلا مثلا بمثل، فإذا اختلفا فزاد وازداد ثم أجر كل شيء على هذا .

                                                                                                                                                                              وكان الزهري يقول: (لكل) شيء يوزن فهو يجري مجرى الذهب والفضة، وكل شيء يكال فهو يجري مجرى البر، والشعير، وكان سفيان الثوري يقول: ما كان يوزن فوزن، وما لا يوزن فلا بأس اثنان بواحد يدا بيد، وقال سفيان الثوري : لا بأس بسيف بسيفين ولا إبرة بإبرتين، وكره الحكم وحماد [غزل] كتان بكتان، وقالت طائفة: بيع جميع ما خرج عن حد المأكول والمشروب جائز واحد باثنين من جنسه يدا بيد ونسيئة، هذا قول الشافعي. ولا بأس في مذهبه رطل نحاس برطلي نحاس [ ص: 207 ] ، ورطل حديد برطلي حديد، وعرض بعرضين يدا بيد، ونسيئة إذا وصف الآجل ودفع العاجل، وكذلك القرط، والقصب، والثياب، والقراطيس، وما أشبه ذلك، وهذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: في النحاس، والرصاص، والقضب، والتين، والكرسف، وما أشبه ذلك مما يوزن: لا بأس بأن يؤخذ من صنف واحد اثنان بواحد يدا بيد، ولا خير في ذلك اثنان بواحد من صنف واحد إلى أجل، فإذا اختلف الصنفان من ذلك فبان اختلافهما فلا بأس بأن يؤخذ اثنان منه بواحد إلى أجل، فإن كان صنف منه يشبه الصنف الآخر فإن اختلفا في الاسم مثل: الشبه والصفر، والرصاص والآنك فإني أكره أن يؤخذ منه اثنان بواحد إلى أجل، وكل شيء ينتفع به الناس من الأصناف كلها، وإن كانت الحصباء والقصة فكل واحد منهما بمثليه إلى أجل ربا. هذا كله قول مالك بن أنس، وكان أحمد بن حنبل يقول: الثوب بالثوبين إلى أجل مكروه .

                                                                                                                                                                              قال إسحاق: كل ما كان مما يكال ويوزن فلا خير فيه، ويجوز ما سوى ذلك. وقال الأوزاعي : والقطن ما لم ينسج فلا يبدله إلا وزنا بوزن يدا بيد، فإذا غزل ونسج وخرج من الوزن فخذ ثوب قطن بعشرة أثواب يدا بيد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: كل ما خرج عن المأكول والمشروب، والذهب، والفضة، فلا بأس أن يباع اثنان بواحد يدا بيد ونسيئة، وذلك أني لا أعلمهم يختلفون في أن لي أن أسلم دينارا في عشرين رطلا حديد [ ص: 208 ] إلى أجل، وحرام علي أن أبيع دينارا بعشرين درهما إلى أجل، فلما فرقوا بين الذهب بالورق، والذهب بالحديد لم يكن لأحد أن يجمع بين ما قد أجمعوا على الفرق بينهما فيجعل أحدهما قياسا على الآخر .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية