ذكر الشهادة في الولادة في النسب 
قال  أبو بكر :  وإذا كان العبد صغيرا في يد رجل يدعي أنه عبده  فالقول قوله إذا كان لا يعبر عن نفسه بمنزلة الثوب يكون بيد الرجل ، فإن ادعى آخر أنه ابنه فهو مدع وعليه البينة ، فإن شهدوا [أنه ابنه ] ولم يزيدوا على ذلك ففيها قولان : أحدهما : قول  أبي ثور   : أنه يقضى له بالنسب ، ويجعل ابنه وهو عبد للذي هو في يديه لاحتمال أن تكون أمة تزوج حرا ، فيكون الولد [رقيقا ] بأمه ، ويكون نسبه ثابتا . 
والقول الثاني : أنه يلحق به نسبه ، ويجعل حرا من قبل النسب الذي شهدوا له به . هذا قول أصحاب الرأي . 
وكذلك عند أصحاب الرأي : لو كان الأب من العرب أو من قريش  أو من الموالي أو حر من أهل الذمة فهو سواء ويقضى به للأب ويكون حرا . وكان  أبو ثور  يقول : إذا كان الأب [عربيا ] فإنه يقوم على أبيه ولا يسترق ، قال : كذلك قضى  عمر بن الخطاب  في أبناء العرب من الآباء ، وإذا كان الأب مولى أو غير ذلك فهو ابنه ويكون رقيقا . 
وقالت طائفة : يكون عبدا وإن كان من العرب ، واحتجوا بأخبار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن جميع أولاد الإماء من غير ساداتهم يجري  [ ص: 130 ] عليهم الرق ، فمن ذلك : 
 6626  - أن  محمد بن إسماعيل  حدثنا ، قال : حدثنا عفان  ، قال : حدثنا  حماد بن سلمة  ، قال : أخبرنا أيوب  ، عن نافع  ، عن  ابن عمر  أن عمر  قال بالجعرانة   : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف عند البيت   . قال : "فاذهب فاعتكف عند البيت   " ، فذهب فاعتكف فسمع ناسا يقولون : أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق حنين ، ومعه غلام رقيق حنين ، قال : فاذهب فأنت حر .  
قال  أبو بكر :  ولم يكن يعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم حرا ، وإنما أعتق من قد ثبت الرق عليه ، وكذلك عمر  إنما أعتق ما يملك ، وهؤلاء قوم من العرب قد جرى عليهم الرق بالسبي ، وإذا ثبت ذلك بالسنة وجب استعماله في كل موضع ، ومن ذلك : 
 6627  - أن  علي بن عبد العزيز  حدثنا ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ،  قال : حدثنا جرير  ، عن  عمارة بن القعقاع ،  عن أبي زرعة  ، عن  أبي هريرة  قال : لا أزال أحب بني تميم  بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها فيهم ، قال : "هم أشد أمتي على الدجال " ، وكانت منهم سبية عند  عائشة  فقال : "أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل   " ، قال : وجاءت صدقاتهم فقال : "هذه صدقات قومنا " .  [ ص: 131 ] 
قال  أبو بكر :  وقد اختلف في هذه المسألة : فروينا عن  عمر بن الخطاب  أنه كان يرى أن لا رق على ولد الرجل العربي عن الأمة  وأن أولاده يقومون عليه . 
 6628  - حدثنا إسحاق بن إبراهيم  ، عن  عبد الرزاق ،  عن  معمر ،  عن  ابن طاوس  ، عن أبيه ، عن  ابن عباس  قال : قال لي عمر   : اعقل عني ثلاثا : الإمارة شورى ، وفي فداء العرب مكان كل عبد عبد ، وفي ابن الأمة عبدان  ، وكتم ابن  طاوس  الثالثة . 
 6629  - وحدثنا  إسحاق  ، عن  عبد الرزاق ،  عن  الثوري ،  عن  عبد الله بن عون  ، عن غاضرة العنبري  قال : أتينا  عمر بن الخطاب  في نساء ساعين في الجاهلية - يعني بغين - فأمر أن يقوم أولادهن على آبائهم ولا يسترقوا .  
 6630  - وروينا عن  ابن المسيب  أنه قال في المولى ينكح الأمة   : يسترق ولده ، وفي العربي ينكحها : لا يسترق ولده ، وعليه قيمتهم . 
 6631  - وقد كان  الشافعي  يروي عن عمر  أنه قال : لا يسترق عربي .  [ ص: 132 ] 
وقال : السباء فيهم منسوخ ، ثم قال بمصر   : قد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق  وهوازن  وقبائل من العرب ، وأجرى عليهم الرق حتى من عليهم . فزعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلق سبي هوازن  قال : لو كان تاما على أحد من العرب سبيا لتم على هؤلاء فمن أثبت هذا الحديث زعم أن الرق لا يجري على عربي  بحال ، ومن لم يثبته ذهب إلى أن العرب والعجم سواء ويجري عليهم الرق . 
وكان  سفيان الثوري  وإسحاق  يقولان في العربي يتزوج الأمة فتلد   : لا يسترقون بعدهم . وبه قال  أبو ثور   . 
وقال  مالك  وأصحاب الرأي : إذا علم أنها أمة فأولاده رقيق . واحتج بعض من قال هذا القول بالأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر هوازن  ، وأنهم لما كلموا النبي صلى الله عليه وسلم ترك حقه وحق من أطاعه منهم ، وكل من لم تجبه نفسه بترك حقه ، وضمن لكل رأس شيئا ذكره ، فأما ما ذكره  الشافعي  عن زعم من زعم أنه قال : "لو كان تام على أحد من العرب سبيا لتم على هؤلاء " فلا أصل له ، وإنما ذكره عن غيره  [ ص: 133 ] ولم يذكر له إسنادا فينظر فيه ، وقد عارض ذلك الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعتق رقيق حنين ، وقد ذكرنا إسناده ، وأن عمر  قال لغلام من رقيق حنين : أنت حر ، وهذا أصح الحديثين ، ويؤيده حديث  عائشة   . 
 6632  - حدثنا أبو يعقوب يوسف بن موسى  ، قال : حدثنا أبو موسى  قال : حدثنا محمد بن جعفر  ، قال : حدثنا  شعبة  ، عن عبيد أبي الحسن  قال : سمعت ابن معقل - هو عبد الرحمن   - قال : كان على  عائشة  محرر من ولد إسماعيل  ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي من بني العنبر ،  فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعتقي من بني العنبر  أو من بني لحيان  ، ولا تعتقي من خولان   " . 
قال  أبو بكر :  وإذا ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرناه ولم يعارض ذلك أخبار غيرها ، وإنما يؤخذ الدين والأمر والنهي وأحكام الإسلام كلها عنه صلى الله عليه وسلم ، والأخبار والنظر على ذلك تدل ، فأما الأخبار فقد ذكرناها ، وأما النظر فدال على ذلك ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سوى بين الناس عامة في الدماء ، فقال :  "المسلمون تكافأ دماؤهم " فسوى بينهم في الدماء ، وأجمع أهل العلم على القول به فيما دون الدماء فحكمه حكم الدماء ، وكل مختلف فيه فمردود إلى أخبار النبي صلى الله عليه وسلم  [ ص: 134 ] وإلى ما أجمع عليه أهل العلم . 
وقال  أحمد بن حنبل   : قد اختلفوا فيه ، وذكر حديث بني المصطلق  حين أعتقهم النبي صلى الله عليه وسلم وحديث  عائشة  الذي ذكرناه . 
قال  أبو بكر :  وإذا كان غلام صغير في يدي رجل فادعى أنه ابنه ، وادعى آخر أنه ابنه وأقام على ذلك البينة  ، فإن نسبه يلحق بالذي أقام عليه البينة في مذهب  الشافعي،  وبه قال  أبو ثور  ، وكذلك نقول . 
وقال أصحاب الرأي : يقضى به للمدعي ويثبت نسبه منه . 
قال  أبو بكر :  وإذا كان الذي هو في يده حر يدعيه ، والذي أقام البينة عبد أو ذمي ، فإن نسبه يثبت من المدعي ويلحق به شهادة الشهود ، ويكون الصبي عبدا للذي هو في يديه في قول  أبي ثور   . 
وقال أصحاب الرأي كما قال  أبو ثور  ، إلا في الصبي ، فإنهم قالوا : يكون حرا . 
وقال  أبو ثور  ، وأصحاب الرأي : إذا كان الصبي في يد رجل فادعى أنه ابنه ، وأقام على ذلك بينة ، وادعى رجل آخر أنه ابنه وأقام على ذلك بينة ، فإنه للذي هو في يديه . 
قال  أبو بكر :  وكذلك نقول . 
قال  أبو بكر :  وإذا كان عبدا امرأته أمة وفي أيديهما صبي / فادعاه رجل من العرب ، وأقام البينة أنه ابنه من امرأته هذه وهي من العرب ، وأقام العبد البينة أنه ابنه فإنه ابن العبد الذي في يديه . وهذا قول  أبي ثور   [ ص: 135 ] ، وبه نقول ، وليس بين العرب والعجم فرق في أحكام الله ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "المؤمنون تكافأ دماؤهم " يدل على أنهم يستوون في غير الدماء . 
وقال أصحاب الرأي : يقضى به للعربي ولامرأته للعتق الذي دخل فيه ، وقال أصحاب الرأي : وكذلك لو كان من الموالي قضينا به لهما وجعلناه حرا للعتق الذي دخل فيه . 
قال  أبو بكر :  وإذا كان صبي في يد رجل فادعاه رجل أنه ابنه وأقام على ذلك بينة وأقام رجل آخر بينة أنه ابنه من امرأته هذه ، فإنه يقضى به للذي هو في يده ، في قول  أبي ثور   . 
وقال أصحاب الرأي : يقضى به للمدعي لأن نسب هذا قد يثبت من أمه . 
وقال  أبو ثور  وأصحاب الرأي : إذا كان الصبي في يد رجل فادعاه رجل آخر ، وأقام البينة أنه ابنه ، وشهد آخران أن الذي في يديه أو عندهم أنه ابنه  قالوا : فإنا نقضي به للمدعي ودعواه وإقراره بمنزلة . 
قال  أبو بكر :  وإذا كان الصبي لقيطا في يد رجل فادعاه رجلان ، وأقام كل واحد منهما البينة أنه ابنه ولد على فراشه من امرأته هذه فإن البينتين قد تدافعتا وإحداهما كاذبة فلا يقضى بواحدة منهما ، فكأنهما رجلان ادعيا ولدا ففيها قولان : أحدهما - وبه أقول - أن يرى القافة  [ ص: 136 ] فبأيهما ألحقوه لحق . وهذا على مذهب  أبي ثور   . 
والقول الثاني : أن يكون ابن المرأتين والرجلين ، ويقضى به لهما جميعا ، وهذا قول بعض أصحاب الرأي . 
قال  أبو بكر :  وهذا قول يبعد من الصواب ويقرب من المحال ، بل هو المحال وهو خطأ لا يخفى على الناظر فيه ، وذلك أن من المحال أن يكون ولدا واحدا من امرأتين ، ولا شك أن صاحبه قد علم أن ما قاله محال لا يجوز كونه . قد اختلف أهل العلم . 
فقالت طائفة : يكون الرجل بين رجلين ، لاحتمال أن يختلط [الماءان ] ؛ لأن الرجلين قد يشتركان في الوطء ، ولا يجوز أن يتوهم أن المرأتين تشتركان في الحمل ، فأما القافة التي ذكرناها فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على قبول قولها وقضى به أمير المؤمنين  عمر بن الخطاب  بحضرة المهاجرين  والأنصار  ، فلم يدفعه أحد منهم . 
وقال يعقوب  ومحمد   : يجعله ابن الرجلين ، ولا يجعله ابن المرأتين .  [ ص: 137 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					