الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأخبار الدالة على أن القضاء بذلك يجب إذا منع الجار جاره أن يغرز خشبة في جداره .

                                                                                                                                                                              6648 - أخبرنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهيب بن جرير ، قال : حدثنا أبي ، قال : سمعت الزبير بن خريت يحدث عن عكرمة، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس لرجل أن يمنع جاره أن يضع خشبة في جداره " . [ ص: 161 ]

                                                                                                                                                                              6649 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الزراد بتونس ، قال : أخبرنا ابن أبي فديك ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعد بن إبراهيم ، قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس لأحد أن يمنع أخاه أن يضع خشبا فوق جداره " .

                                                                                                                                                                              6650 - ومن حديث محمد بن معمر ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن جرير بن حازم ، قال : حدثنا الزبير بن خريت ، عن عكرمة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجار يضع جذوعه في حائط جاره إن شاء ، وإن أبى . كتب إلي بعض أصحابنا يذكر أن محمد بن معمر حدثهم . [ ص: 162 ]

                                                                                                                                                                              6651 - حدثنا محمد بن إسماعيل، قال : حدثنا الحجاج ، قال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار ، أن يحيى بن هشام أخبره أن عكرمة بن سلمة بن ربيعة أخبره أن أخوين من بني المغيرة أقسم أحدهما أن لا يغرز الآخر خشبا في جداره ، فلقيا مجمع بن يزيد الأنصاري ورجالا كثيرا من الأنصار فقالوا : نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبا في جداره . فقال الحالف : يا أخي ، قد علمت أنك مقضي لك علي ، وقد حلفت فاجعل أسطوانا دون جداري ، ففعل الآخر فغرز في الأسطوان خشبة . قال عمرو : فأنا نظرت إلى ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد اختلف في ذلك ، فكان مالك بن أنس يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره الذي ملك " إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم تخصيصا ولا يقضى به على الناس وفي العمل به فضل ومكرمة .

                                                                                                                                                                              قال مالك : وكان المطلب يقضي به . [ ص: 163 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن ذلك يجب ويحكم به . هذا قول أحمد بن حنبل ، وأبي ثور ، وطائفة من أهل الحديث .

                                                                                                                                                                              سئل أحمد عن الرجل يريد أن يضع خشبة على حائط جاره فيمنعه ، قال : لو اختصم إلي لحكمت عليه أن يضعه إذا كان حائطا وسيقا لا يخاف عليه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد حكى مالك عن المطلب أنه كان يقضي به .

                                                                                                                                                                              ومن حجة هذه الطائفة مع الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر روي عن عمر بن الخطاب يوافق هذا القول .

                                                                                                                                                                              6652 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال : حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض فأراد أن يمر به في أرض لمحمد بن مسلمة فأبى محمد ، فقال الضحاك : لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك ، فأبى محمد ، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب ، فدعا عمر محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله ، فقال محمد : لا . فقال عمر : لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تشرب أولا وآخرا ولا يضرك ؟ فقال محمد : لا والله . فقال عمر بن الخطاب : والله ليمرن به ولو على بطنك فأمر عمر أن يمر به ، ففعل . [ ص: 164 ]

                                                                                                                                                                              قال مالك : أرى عمر بن الخطاب إنما قضى بذلك ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا ضرر ولا ضرار " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذه اللفظة "لا ضرر ولا ضرار " يرددها كثير من أهل العلم في كتبهم ولا أعلم ذلك يثبت متصلا ، ولا يجوز أن يطلق فيقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أن يكون ذلك موجودا بإسناد جيد .

                                                                                                                                                                              6653 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا ضرر ولا ضرار " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا مرسل لا تقوم به الحجة ، وإنما روى هذا الحديث جابر الجعفي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعا . [ ص: 165 ]

                                                                                                                                                                              6654 - حدثناه النجار ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن جابر ، وجابر متروك الحديث عندهم لا يجوز الاحتجاج بحديثه من وجوه .

                                                                                                                                                                              حدثونا عن عباس الدوري ، قال : حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي ، عن زائدة قال : كان [جابر ] الجعفي كذابا يؤمن بالرجعة .

                                                                                                                                                                              وحدثت عن أبي موسى الأنصاري ، قال : سمعت ابن عيينة يقول : جابر الجعفي يؤمن بالرجعة ، وحكى عباس الدوري ، عن أبي يحيى البكائي ، عن أبي حنيفة قال : ما رأيت رجلا أكذب قط من جابر الجعفي .

                                                                                                                                                                              وحدثني محمد بن عيسى ، قال : حدثنا عمرو بن علي أبو حفص ، قال : كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن جابر الجعفي .

                                                                                                                                                                              وحدثنا محمد بن عيسى ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد - يعني الأموي - عن إسماعيل ، عن الشعبي أنه قال لجابر الجعفي : لا تموت حتى تأتيهم بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فما مات حتى أتاهم بالكذب .

                                                                                                                                                                              وكان يحيى بن معين يقول : جابر الجعفي ليس بشيء كذاب لا يكتب حديثه . [ ص: 166 ]

                                                                                                                                                                              وقال محمد بن نصر : سمعت إسحاق يقول : وقد قال قوم من أهل العلم : لا نروي عن جابر أصلا لاختلاط رأيه وحديثه وذلك أنه كان يقول : أردفني وصي الأوصياء - يعني أبا جعفر - ، فحفظت في ردفتي ألف حديث كل حديث يشق منه ألف حديث ، وعندي عن أبي جعفر اثنا عشر ألف حديث من غرائب الحديث ونحو هذا فقيل ذلك لابن عيينة فقال : كان يقول هذا وما هو أشد من هذا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فليس للاشتغال بحديث جابر معنى .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من ضار أضر الله به " .

                                                                                                                                                                              6655 - أخبرنا محمد بن إسماعيل، عن محمد بن يحيى بن حبان ، [ ص: 167 ] عن لؤلؤة عن أبي صرمة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من شق شق الله عليه ، ومن ضار أضر الله به " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : في أمر النبي صلى الله عليه وسلم : "أن لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره " ، وقوله : "ليس لأحد أن يمنع جاره أن يضع خشبة في جداره " ، وقوله : "إذا أراد الرجل أن يبني فله أن يضع خشبة على جدار أخيه " ، مع الحرف الذي في خبر أبي عاصم إن شاء وإن أبى دلائل على أن ذلك أمر واجب من طريق الوجوب لا من جهة الندب ، ويؤيد ذلك يمين أبي هريرة : والله لأصوبن بها بين أكتافكم . وغير جائز على مثل أبي هريرة أن يحلف ويلزم الناس ما ليس بواجب . يبعد أمر التأديب والندب من ذلك كله ، وخبر عمر يدل على ذلك لو اقتصر عليه مقتصر فكيف والأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤيد ما قلناه . [ ص: 168 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية