الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلافهم في قبول شهادة القاذف المحدود إذا تاب

                                                                                                                                                                              واختلفوا في قبول شهادة القاذف إذا حد ثم تاب وأصلح ، فقالت طائفة : لا تقبل شهادته .

                                                                                                                                                                              6727 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج وعثمان بن عطاء ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس في قول الله - جل ذكره ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) قال : ثم استثنى فقال : ( إلا الذين تابوا ) قال : فتاب عليهم من الفسق ، فأما الشهادة فلا تجوز .

                                                                                                                                                                              وممن قال إن شهادة القاذف لا تجوز وإن تاب : شريح ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، والثوري . وقال أصحاب الرأي : شهادة القاذف المحدود فيه لا تجوز أبدا وإن تاب، توبته فيما بينه وبين ربه ، وأما المحدود في الزنا ، والمحدود في السرقة ، [ ص: 302 ] والمحدود في الخمر ، والمحدود في السكر ، إذا تابوا قبلت شهادته .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : تقبل شهادة القاذف المحدود إذا تاب ، روينا هذا القول عن ابن عباس رواية ثانية ، وليس يصح عندي شيء من الروايتين .

                                                                                                                                                                              6728 - حدثنا علان بن المغيرة ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) ثم قال : ( إلا الذين تابوا ) قال : فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل .

                                                                                                                                                                              وممن قال تقبل شهادته إذا تاب : عطاء بن أبي رباح ، والشعبي ، وطاوس ، ومجاهد ، والزهري ، وعبد الله بن عتبة ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبو الزناد .

                                                                                                                                                                              واختلف فيه عن سعيد بن المسيب :

                                                                                                                                                                              6729 - فروى حماد بن سلمة ، (عن قتادة ، عنه أنه قال : لا تقبل شهادته . [ ص: 303 ]

                                                                                                                                                                              6730 - وروى معمر ، عن قتادة ، عنه أنه قال : تقبل شهادته إذا تاب . وممن قال تقبل شهادته إذا تاب : مالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، واحتج الشافعي في قبول شهادة القاذف أن الله أمر بضربه ، وأمر أن لا تقبل شهادته ، وأسماه فاسقا ، ثم استثنى إلا أن يتوب ، والثنيا في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر ، وليس عند من يزعم أنه لا تقبل شهادته ، وأن الثنيا له إنما هي على طرح اسم الفسق عنه إلا عن شريح ، وهم يخالفون شريحا لرأي أنفسهم ، وإذا كنت تقبل شهادة الزاني ، و[القاتل] ، والمحدود في الخمر إذا تاب ، وشهادة الزنديق إذا تاب ، والمشرك إذا أسلم ، وقاطع الطريق ، والمقطوع اليد والرجل إذا تاب ، لم تقبل شهادة شاهد بالزنا فلم تتم الشهادة فجعل قاذفا .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : والقاذف قبل أن يحد مثله حين يحد لا تقبل شهادته حتى يتوب كما وصفت ، بل هو قبل أن يحد ، أشر حالا منه حين يحد ، [ ص: 304 ] لأن الحدود كفارات للذنوب فهو بعدما يكفر عنه الذنب خير منه قبل أن يكفر عنه ، ولا أرد شهادته في خير حاليه ، وأجيزها في شرها .

                                                                                                                                                                              6731 - حدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قال : شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنا ونكل زياد ، فجلد عمر الثلاثة ، وقال لهم : توبوا تقبل شهادتكم ، فتاب رجلان ولم يتب أبو بكرة ، فكان لا يقبل شهادته .

                                                                                                                                                                              6732 - وحدثنا علي ، عن أبي عبيد ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، عن محمد بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن سعيد بن المسيب أن عمر استتابهم فتاب اثنان ، وأبى أبو بكرة أن يتوب ، فكانت شهادتهما تقبل ، وكان أبو بكرة لا تقبل شهادته .

                                                                                                                                                                              وقال يحيى الأنصاري وربيعة بن أبي عبد الرحمن في المحدود إذا تاب تقبل شهادته . وقال أبو عبيد : أصح في النظر أن لا يكون القول بشيء أكثر من الفعل ، وليس يختلف المسلمون في الزاني المحدود أن شهادته مقبولة إذا تاب ولا يكون للقاذف توبة إلا بإكذاب نفسه . يوضح ذلك قول عمر لأبي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك . فأي توبة أبين من جانبه إلا بالرجوع عما قال . [ ص: 305 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية