الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              وجه سادس من استعمال القرعة في دعوى الولد .

                                                                                                                                                                              6619 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن الأجلح ، عن الشعبي، عن عبد الله بن الخليل ، عن زيد بن أرقم قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل اليمن فقال : إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون في ولد وقعوا على امرأة في طهر واحد . [ ص: 80 ]

                                                                                                                                                                              فقال لاثنين منهم : طيبا بالولد لهذا . فغلبا ثم قال لاثنين منهم : طيبا بالولد لهذا . فغلبا ، ثم قال لاثنين منهم : طيبا بالولد لهذا فغلبا ، فقال : أنتم شركاء متشاكسون وإني مقرع بينكم ، فمن قرع منكم فله الولد ، وعليه لصاحبه ثلثا الدية ، فأقرع بينهم فجعله لمن قرع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه .


                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : قد تكلم في هذا الإسناد وقد احتج بعض أصحابنا به .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد جاءت القرعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه ثمانية [ ص: 81 ] ، وقد احتج الشافعي وأبو عبيد في إثبات القرعة بآيات من كتاب الله من ذلك قصة زكريا قوله : ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) وقال : ( وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين ) قال أبو عبيد : وقد أمر نبينا بمثل منهاجهم قال الله تبارك اسمه ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) فعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موطن ولا اثنين ، وذكر بعض الأخبار التي ذكرناها وخبر أم سلمة .

                                                                                                                                                                              6620 - أخبرنا حاتم بن منصور ، أن الحميدي حدثهم قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أسامة بن زيد ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال : سمعت أم سلمة تقول : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلان يختصمان في مواريث وأشياء قد درست ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه شيء ، فمن قضيت له بحجة أراها فاقتطع قطعة ظلما ، فإنما يقتطع بها قطعة من النار يأتي بها إسطاما يوم القيامة في عنقه " . فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما لصاحبه : يا رسول الله حقي هذا الذي أطلب له . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا ، ولكن اذهبا فتوخيا ، ثم استهما ، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه " . [ ص: 82 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : قد عمل بها ثلاثة من الأنبياء يونس ، وزكريا ، ونبينا صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والذي خالف أصحابنا في باب القرعة يزعم أن الرجلين إذا أقام كل واحد منهما البينة أن العبد له ، يقسم العبد بينهما لكل واحد منهما النصف ، وهذا عين الخطأ ؛ لأن البينتين لا يخلو أن تكون إحداهما كاذبة أو غالطة ، فأيهما كانت فقد يحكم القاضي به بينهما نصفين أنه حاكم لأحدهما بما ليس له ؛ لأن كل واحدة من البينتين إنما شهدت لصاحبها بالكل ، واخترع هو من عند نفسه حكما ثالثا خلاف ما شهدت به البينتان ، وأعطى من ليس له ، ومنع الذي له حقه أو بعض حقه فإن اعتل معتل بخبر تميم بن طرفة ، فذلك خبر غير ثابت ، لأنه مرسل ، وقد ذكرناه فيما مضى ، ولو جاز استعمال المرسل لكان مرسل سعيد بن المسيب أولى ، وقد ذكرته مع ذكري خبر تميم ، فالراد خبر سعيد اعتلالا بأنه مرسل قد دخل في مثل ما أنكره ، وفيما هو أضعف منه ، على أن القائل بخبر سعيد غير موقن بأنه أخطأ ، وقاسم الشيء بينهما نصفين موقن الخطأ ، لأنه مانع من له حق ، ومعطي من لا حق له ، لأنه غير مستعمل لما شهدت به البينة ولا حاكم لهما بدعواهما ، بل حكم بحكم ثالث لا يفارقه الخطأ فيه ، وليس في حديث تميم أن البعير الذي تنازعاه كان في أيديهما أو في يد غيرهما ، ولو ثبت الحديث لجاز أن يكون في أيديهما ، فلا يكون للقاسم الشيء الذي في غير يد المدعيين فيه حجة مع أن استعمال القرعة كالإجماع من أهل العلم فيما يقسم به بين الشركاء . [ ص: 83 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية