الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر حجج القائلين بقول الصديق رضي الله عنه

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) ، فقال القائلون بقول أبي بكر فرددنا حكم ما تنوزع فيه من ميراث الجد إلى كتاب الله وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله - تبارك وتعالى - في كتابه : ( ملة أبيكم إبراهيم ) فسمى الجد أبا ، وقال ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) ، [ ص: 443 ] وذكر عن يعقوب أنه قال لبنيه : ( ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) ، وقال الله - جل ذكره - : ( يا بني إسرائيل ) ، فمن كان ابنا لآدم فآدم أبوه ، ومن كان ابنا لإسرائيل فإسرائيل أبوه ، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا " .

                                                                                                                                                                              6832 - حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا ابن قعنب قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ، وأنا مع بني فلان" .

                                                                                                                                                                              قال : فأمسك أحد الفريقين بأيديهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما لكم لا ترمون؟! " قالوا : يا رسول الله نرمي وأنت معهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "معكم كلكم " .


                                                                                                                                                                              6833 - حدثنا موسى قال : حدثنا العباس بن الوليد بن نصر النرسي قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم " . [ ص: 444 ]

                                                                                                                                                                              قالوا : ووجدناه أبا ووالدا في لغة العرب معروف ذلك عندهم ، ووجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر أهل العلم قد اتفقوا على أن حكم الجد حكم الأب في غير موضع . قال : فجعلنا الموضع الذي اختلفوا فيه قياسا على المواضع التي اجتمعوا فيها .

                                                                                                                                                                              فمن ذلك إجماعهم على أن الإخوة من الأم لا يرثن مع ولد ولا والد .

                                                                                                                                                                              وأجمعوا أن الجد يحجبهم عن الميراث كما حجبهم الأب . فلما أجمعوا أن الإخوة من الأب والأم [لا] يحجبون الإخوة من الأم عن الثلث ، وأن الجد يحجبهم ، فالقياس أن يحجب الإخوة من الأب والأم إذا كان أبا ، كما يحجب الإخوة من الأم .

                                                                                                                                                                              وحجة أخرى : أجمعوا أن من ترك ابنا وأبا ، أن للأب السدس ، وما بقي فللابن .

                                                                                                                                                                              وأجمعوا كذلك أن من ترك ابنا وجدا أن للجد السدس مع الابن كما كان للأب سواء .

                                                                                                                                                                              وأجمعوا أن الرجل إذا مات وترك ابنا وأخا أن المال كله للابن [ ص: 445 ] ولا شيء للأخ معه ، فحجبوا الأخ بالابن ، ولم يحجبوا به الجد بل أقاموه مقام الأب فأعطوه السدس ، كما أعطوا الأب ، فلو كان الجد كالأخ لوجب أن يحجبوه بالابن كما حجبوا الأخ ، فلما حجبوا الأخ بالابن وأقاموا الجد مقام الأب وجعلوه في الحجب والميراث مقامه ثبت أنه بمنزلة الأب لا بمنزلة الأخ .

                                                                                                                                                                              وأجمعوا أن الجد يضرب مع أصحاب الفرائض بالسدس كما يضرب الأب وإن عالت الفريضة .

                                                                                                                                                                              فقالوا في رجل ترك امرأته وأبويه وابنتيه . أن المال مقسوم بينهم على سبعة وعشرين سهما : للمرأة من ذلك ثلاثة أسهم ، وللأبوين ثمانية ، وللابنتين ستة عشر ، ولو كان بدل الأب جد ، كانت الفريضة على حالها ، وقام الجد مقام الأب يضرب بالسدس معهم كما يضرب به الأب ، ولو كان بدل الجد أخ ، لكانت الفريضة من أربعة وعشرين سهما : للمرأة الثمن ثلاثة ، وللأم السدس أربعة ، وللبنتين الثلثان ستة عشر ، وما بقي وهو سهم فللأخ ، لأنه عصبة فأنزلوا الأخ بمنزلة العصبة جعلوا له ما فضل ، كما لو كان مكانه ابن أخ أو ابن عم لأخذ السهم الباقي كما أخذه الأخ ، لأنه عصبة ، وأنزلوا الجد منزلة الأب ففرضوا له السدس تحاص به أهل الفرائض كما فعلوا بالأب .

                                                                                                                                                                              وحجة رابعة : أجمع أهل العلم أن ابن الابن بمنزلة الابن يحجب الزوج عن النصف ، والمرأة عن الربع ، والأم عن الثلث كما يحجبهم الابن [ ص: 446 ] ، ويحجب الإخوة كما يحجبهم الابن . فلو أن رجلا ترك أبويه ، وابن ابنه كان لأبويه السدسان وما بقي فلابن ابنه ، فحجب ابن الابن أبوي الجد كما كان يحجبهما الابن ، وقد قال الله : ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) ، فجعلوا ابن الابن ولدا حجبوا به أبوي الجد ، حجبوا به الأم عن الثلث ، والأب عن الثلثين فردوهما إلى السدس ، ومن المحال أن يكون لي ولد وأنا لا أكون له والد ، فإذا كان هو للجد ولدا يحجب أبويه ، فكذلك الجد هو له والد يحجب إخوته لا يجوز في النظر غير ذلك ، وقال ابن عباس : ألا يتقي الله زيد بن ثابت! لئن شاء لأباهلنه عند الحجر ، فجعل ولد الولد بمنزلة الولد إذا لم يكن دونه ولد ، ولا يجعل الجد بمنزلة الأب .

                                                                                                                                                                              وحجة خامسة : أجمع أهل العلم على أن رجلا لو ترك أبا جده ، وابن جده وهم عمومته ، أن المال لأبي جده دون عمومته وهم بنو جده ، فكذلك سبيل جده الأدنى إذا كان أبا أبيه مع إخوته لأبيه وأمه ، أو لأبيه إذا كانوا بني أبيه ، يكون الجد أبو الأب أولى بالميراث من الإخوة وهم بنو الأب ، كما كان أبو الجد أولى بالميراث من بني الجد ، فهذا التمثيل الصحيح المردود إلى ما أجمعوا عليه . [ ص: 447 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية