الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ولد المرتد ما يلزم من ذلك وما لا يلزم

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا ارتدت المرأة عن الإسلام ولها زوج ، فإن جاءت بولد ، فإنه يلزم الزوج إلى أربع سنين منذ يوم ارتدت ، في قول مالك والشافعي ، وحجتهما في ذلك موجود في النساء ، كانت امرأة ابن عجلان ولدت مرة لثلاث سنين ، وذكر مالك أن امرأة ابن عجلان حملت ثلاثة أبطن يمكث الولد في بطنها في كل بطن أربع سنين ثم تضع . قال : وليس ما ذكرناه باختلاف عنها ، لأنها قد تلد أبطن كل بطن في أربع سنين وتلد قبل ذلك أو بعده لثلاث سنين .

                                                                                                                                                                              وقال الليث بن سعد : حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث سنين فولدت غلاما . وقال عباد بن العوام : ولدت امرأة معنا في الدار فولدت لخمس سنين وشعره يضرب (إلى ها هنا) وأشار إلى العنق قال : ومر به طير فقال : هش ، وقال مالك : عندنا امرأة لبعض ولد أبان بن عثمان حامل منذ خمس سنين لم تضع حتى الساعة ، وقد مات زوجها فأمرت رسولها يأتيني يسألني .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه قال في رجل إن أباه وطئ أمة ثم غاب عنها أربع سنين فولدت بعد أربع سنين وقد نبتت ثناياه .

                                                                                                                                                                              وقال الزهري : إن المرأة تحمل ست سنين وسبع سنين ، فيكون الولد [ ص: 230 ] محشوشا في بطنها ، قال : وقد أتى سعد بن عبد الملك بامرأة حملت سبع سنين .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : وإذا ارتدت المرأة عن الإسلام ولها زوج مسلم ، فقد وقعت الفرقة فيما بينهما ويلزم الولد أباه فيما بينه وبين سنتين ، وكذلك لو كان الرجل هو المرتد والمرأة مسلمة على حالها ، وكذلك لو لحق الرجل بدار الحرب ، فهو مثل ذلك ، ولا يلزم النسب في هذا ، ولا يجب الميراث في قول أبي حنيفة إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، ويلزم في قول يعقوب ومحمد لو شهدت امرأة واحدة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد روينا عن الضحاك بن مزاحم أنه قال : ولدتني أمي لسنتين .

                                                                                                                                                                              6677 - وروينا عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، أن هرم الأسلمي كان في بطن أمه سنتين فولد وقد نبتت ثناياه فسمي هرما .

                                                                                                                                                                              وكان أبو ثور يقول : فإن ثبت شيء مما قال مالك وبعض الناس صرنا إليه ، وإلا فأكثر ما رأينا تحملن النساء تسعة أشهر ، وكذلك لو كان الرجل [ ص: 231 ] هو المرتد فإن القول في الولد كذلك ، وكذلك لو لحق الرجل بدار الحرب فهو مثل ذلك .

                                                                                                                                                                              فإن جاءت بولد وأقامت على ولادتها أربع نسوة عدول قبلت شهادتهم ، وحكم به على ما وصفت ، وإن لم تأت بأربعة يشهدون لم يقبل قولها على ذلك ، ولم يلحق به النسب إلا أن تكون المرأة حاملا بين حملها حين ارتدت أو ارتد ، فيصدق على الولادة إذا جاء بالشبه .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المرأة المرتدة اللاحقة بدار الحرب ، فكان أبو ثور يقول : إذا جاءت هناك بولد ، فإنه يلزم الأب إذا جاءت به ما بينها وبين تسعة أشهر من يوم ارتدت ، وعليها العدة ، والدار لا تغير شيئا ولا تحرمه .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان ويعقوب وابن الحسن : إذا جاءت بولد هناك لم يلزم أباه ، إلا لأقل من ستة أشهر من يوم ارتدت ولحقت ، وهي في هذه الحالة بمنزلة من لم يدخل بها ؛ لأن العدة قد بطلت عنها حين لحقت بدار الحرب .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والعدة التي ألزمها الله النساء لا يجوز أن تزال إلا بحجة . واختلفوا في المرأة المسلمة تجيء من دار الحرب وهي حامل ، فكان أبو ثور يقول : النسب يثبت لزوجها الحربي ، وعدتها أن تضع .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : لا يلزم الولد أباه الحربي إلا أن تضع لأقل من ستة أشهر منذ فارقه ، وفي قول يعقوب ومحمد : يلزمه الولد إلى سنتين . [ ص: 232 ]

                                                                                                                                                                              واختلفوا في المرتدة تسبى وهي حامل فولدت ولدا ، فكان أبو ثور يقول : يلزم الزوج الأول إذا كانت في المدة التي وصفنا ، وتستتاب المرأة ، فإن تابت وإلا قتلت إذا وضعت ، ولا تسترق المرأة الحرة . قال : وهذا قول مالك وأبي عبد الله - يعني الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان ويعقوب ومحمد : إذا سبيت المرأة الحامل المرتدة ثم ولدت ولدا لأقل من ستة أشهر ثبت نسبه من الأب الحر المسلم والولد رقيق مع المرأة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا خطأ لا يجوز استرقاق الولد وهو حر ، والمرأة داخلة في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس فيقتل بها " فالمرأة لما كانت عند من خالفنا داخلة في جملة قوله : "أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس " حكمها في ذلك كحكم الرجال كانت في الخصلة الثالثة المقرونة إلى الخصلتين مثل الرجل إن ارتدت قتلت ولم يجز أن ترق ولا تحبس .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يرتد فيلحق بدار الحرب فترك أم ولد له وامرأة مسلمة أو من أهل الكتاب ، ففي قول أبي ثور يلزمه ولدهما إلى تسعة أشهر ويرث إن جاء الأب مسلما .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : يلزمه الولد إلى سنتين . [ ص: 233 ]

                                                                                                                                                                              وقال مالك والشافعي : يلزمه الولد إلى أربع سنين .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور ، وأصحاب الرأي : إذا تزوج المرتد مسلمة أو تزوجت المرتدة مسلما فهو سواء ، النكاح فاسد ، وما كان من ولد بينهما فهو ثابت النسب يرثهما جميعا إذا أسلما .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور وأصحاب الرأي : إذا تزوج [المرتد ] مدبرة أو امرأة من أهل الكتاب ، فالنكاح فاسد ، وما كان بينهما من ولد فإنه يلزمهما جميعا ولا يرث الولد الأب ولا الأم ؛ لأن الولد مسلم ، إلا أن يسلموا . قال أبو ثور : وإن وطئ المرتد أمته من أهل الكتاب أو مرتدة فجاءت بولد ، فإنه يلزمه الولد ، وهو ابنه ولا يرثه إن مات على ردته ، وإذا وطئ أمة له مسلمة فولدت منه ولدا فهو ابنه ، وهو مسلم ، ولا يرثه ، وذلك أن الكافر لا يرث المسلم ، ولا المسلم الكافر ، ولا يرثهم ، ولا يرثونه إلا أن يسلم فيتوارثون بالإسلام .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إذا وطئ أمة مرتدة أو من أهل الكتاب فجاءت بولد لزمه ولا يرثه ، وإن وطئ أمة له مسلمة فجاءت بولد فهو ابنه وهو يرثه هذا قول النعمان ويعقوب ومحمد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لا يرثه . والنبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " . [ ص: 234 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية