الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر استحلاف المدعي مع بينته والاختلاف فيه

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في المدعي يقيم البينة العادلة على المال يدعيه قبل الرجل هل للحاكم استحلافه مع بينته ؟ فكان شريح، والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، وعبيد الله بن عتبة يرون أن يستحلف الرجل مع بينته ، واستحلف شريح رجلا فكأنه تأبى اليمين فقال : بئس ما تثني على شهودك ، وقال عبد الله بن عتبة لرجل استحلفه مع بينته فأبى أن يحلف : لا أقضي لك بمال لا تحلف عليه ، وهذا قول سوار . وقال إسحاق بن راهويه : إذا استراب الحاكم أوجب ذلك ، وقالت [ ص: 38 ] طائفة : إذا ثبتت البينة وجب على الخصم الخروج من المال ، ولا يجوز استحلاف الرجل مع بينته ، هذا قول مالك والشافعي إلا أن يزعم المدعى عليه أنه قد مضى المال فإنه يحلف ؛ لأن هذه دعوى غير ما قامت به بينته ، وقال الشافعي : إذا اعترف الرجل دابة في يد رجل فإن جاء بالبينة أنها دابته لا يعلمون أنه باع ولا وهب أحلف صاحب الدابة بالله أن هذه - لدابته - ما خرجت عن ملكه بوجه من الوجوه . وهذا اختلاف من قوله ، وكان أحمد ، وأبو عبيد ، والنعمان يقولون : إذا جاء بالبينة فلا يمين عليه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : بهذا أقول ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحضرمي : ألك بينة ؟ قال : لا ، قال : فيمينه ولو وجب مع البينة يمين لأخبر به ، وقال : بينتك وتحلف معه وإلا فيمينه ، وغير جائز الزيادات في الأخبار ، وفي قوله : "ألك بينة " بيان أنه يستحق بها المال ، لأنه لم يذكر معها غيرها ، ولا حجة نعلمها مع من أوجب على المدعي اليمين مع بينته إلا أن يدعي الخصم أنه قبض منه المال أو أبرأه منه فيكون دعوى غير الأولى فإذا ادعى ذلك قيل له : أقم البينة على دعواك فإن أقامها وإلا استحلف المدعي في الابتداء ولو جاز أن لا يستحق المدعي بالبينة جاز أن لا يبرأ المدعى عليه باليمين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذا [ ص: 39 ] مستحقا للمال بإقامة البينة كما جعل المدعى عليه بريئا من المال باليمين وإن جعل في أحدهما شيء إلا دخل في الآخر مثله ولما قال من خالفنا أن وصي اليتيم يستحق المال لليتيم بالبينة يقيمها وإن لم يحلف معها كان كذلك كل مدع يستحق المال بالبينة وإن لم يحلف معها ، وقال من خالفنا : أن المرأة يفرق بينها وبين زوجها إذا قامت البينة أنه طلقها ثلاثا وإن لم يحلف معها ، كذلك يجب استحقاق المال بالبينة وإن لم يحلف المدعي معها .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية