الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأب يدعي ولد الابن

                                                                                                                                                                              واختلفوا في أمة لرجل ولدت غلاما أو جارية فادعى أبو المولى أن الولد منه وجحد ذلك المولى والأمة ، فقالت طائفة : إن أقر الواطئ أنه وطئها وهو يعلم أن ذلك عليه حرام أقيم عليه الحد ؛ لأن وطأه حرام ، وإن كان يعذر بجهالة فعليه صداق مثلها ، ولا يثبت نسبه ، وذلك أن وطأه لم يكن على نكاح ولا وطء يمين في الظاهر ، فيلحق به الولد ، ويكون الولد عبدا لمولى الجارية وهذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان ويعقوب ومحمد : يثبت النسب منه وتكون الأمة أم ولد له ويضمن قيمتها لابنه ولا يضمن عقرها ، والولد الصغير والكبير والذكر والأنثى في ذلك كله سواء .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : واحتج أبو ثور بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "الولد للفراش " .

                                                                                                                                                                              وهذا لا يملك الجارية ، ولا هو تزوجها وقد علم أن وطأه أياها حرام عليه ، فإذا وطئ فهو زان ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم للعاهر الحجر واحتج غيره بقوله ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) الآية . [ ص: 197 ]

                                                                                                                                                                              فإن قال قائل : إن للأب أن يأخذ من مال ابنه ما شاء فليس كما يذكر ، وقد حرم الله بينهما الزنا ، ولا يصح الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "أنت ومالك لأبيك " وفي إثبات الله - جل ذكره - في كتابه للأب السدس في مال ابنه إذا مات وخلف ولدا ذكرا دليل على أن الرجل لا يملك من مال ابنه شيئا ، إذ غير جائز أن يكون مال ابنه له ، فإذا مات ابنه زال ملكه عما كان يملك بموت ابنه . هذا مستحيل ، وفي إيجاب الكوفي على الأب الواطئ قيمتها من ماله أن يحتج بقوله : "أنت ومالك لأبيك " ؛ لأن المال لو كان للأب لم يضمن وحكمه في وطئه جارية يملكها قيمتها لغير مالك هذا يستحيل .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الأب يتزوج أمة ابنه برضاه أو بغير رضاه ، فولدت منه ولدا . فقالت طائفة : إن كان تزوجها بأمر الابن أو زوجها إياه ، فالنكاح ثابت ، والولد عبد للابن وذلك أن الرجل يملك أخاه هكذا قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                              قال : وهذا على قول مالك وأبي عبد الله يعني الشافعي .

                                                                                                                                                                              وأخبرني الربيع قال : قال الشافعي : وإذا كان الأب فقيرا يخاف العنت ، فأراد أن ينكح أمة ابنه لم يجز ذلك له وجبر ابنه إذا كان [ ص: 198 ] واجدا على أن يعفه بإنكاح أو ملك يمين ؛ لأن الأب إذا بلغ لن يكون فقيرا غير مغني لنفسه زمنا أن ينفق عليه الابن .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : وإذا تزوج الأب أمة ابنه برضا المولى أو بغير رضاه فولدت منه وأقر بالولد ، فإن الولد يلحق به ويكون ابنه ويعتق في قول النعمان ، ولا تعتق أمه ولا تكون أمه أم ولد للأب .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان : النكاح مخالف للغصب ، فإذا وقع عليها غصبا ، فادعى الولد ثبت النسب ، وضمن قيمة الأم فإذا وقع عليها بنكاح ثبت نسبه منه ، وضمن المهر ولا يضمن من قيمة الأم شيئا .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور وأصحاب الرأي : وإذا ولدت الأمة عند الرجل ، فادعى الولد المولى وأبوه جميعا ، فإن الولد للمولى وتبطل دعوة الأب وتكون أم ولد للمولى . قال أبو ثور : وإذا اشترى المكاتب أمة فوقع عليها مولاه ، فجاءت بولد فادعى الولد وصدقه المكاتب لم يثبت نسبه منه ، وليس للمولى أن يأخذ من مال المكاتب شيئا ، فإن علم أن هذا لا يحل له : حد ، وإن كان لا يعلم فعليه العقر ، والأمة وولدها للمكاتب ، وليس يثبت نسبه منه .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : يثبت نسب الولد من المولى إذا ادعى المولى وصدقه المكاتب وأضمنه قيمة الولد وعقر الجارية ، فإن استحقها رجل قضى له والعقر الذي أعطى المكاتب . [ ص: 199 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية