الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر دعوى أهل الإسلام وأهل الذمة الولد

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت أمة بين رجلين مسلم وذمي ، فجاءت بولد فادعياه جميعا ، فإن كانا يعذران بالجهالة أري القافة فبأي الرجلين ألحق ألحقناه به وصار على الذي يصير الولد له نصف قيمة الأم لصاحبه ، ونصف قيمة الولد ، ونصف العقر ، وإن كانت للمسلم كانت أم ولد له مسلمة كانت أو ذمية ، فإن صارت للذمي كانت أم ولد له ، وكان له أن يطأها إن كانت ذمية ، وليس له أن يطأها إن كانت مسلمة ولا يبيعها ، وهي تخدمه مثل ما تخدم مثلها مثله ، فإذا مات فهي حرة ، وإن أسلم كان له أن يطأها ، ولا تعتق بإسلامها عليه ، وهذا قول أبي ثور ، وذكر أنه على مذهب الشافعي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد اختلفوا في أم ولد النصراني تسلم ، فكان مالك يقول : تعتق ولا تباع . وقال النعمان : يقضى عليها بأن تسعى في قيمتها ، وقال الثوري : تقوم قيمة تكون عليها .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : وهو أن تقوم قيمة ، ثم يلقى الشطر وتؤدي الشطر وهي حرة ، هكذا قال الأوزاعي . [ ص: 213 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع : وهو أن يحال بينه وبينها ، ويؤخذ بالنفقة عليها ، وتعمل له ما يعمل مثله ، فمتى أسلم خلي بينه وبينها ، وإن مات قبل يسلم عتقت بموته . هذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور .

                                                                                                                                                                              6674 - وروى محمد بن الحسن ، عن أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم أنه قال : إذا كانت أمة بين مسلم وذمي فجاءت بولد فادعياه جميعا فإنه ابن المسلم منهما .

                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : يلحق ويثبت نسبه منه ، وتكون أم ولد له ويضمن نصف قيمتها لشريكه النصراني ونصف عقرها ، ويضمن النصراني نصف عقرها للمسلم . هذا قول أبي حنيفة وأبي ثور ومحمد . وقال أبو ثور : وإذا كانت أمة من أهل الذمة يهودية أو نصرانية أو مجوسية فهو سواء ، وكانت بين مسلم وذمي فجاءت بولد ، فالقول فيه كما قلنا في المسألة التي قبل إذا [ادعياه ] ، وقال أصحاب الرأي : يكون ابن المسلم ، وكذلك قالوا : لو كان للمسلم فيها عشر ولكافر تسعة أعشار ، وكذلك لو كان المسلم باع حصته من الكافر فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من يوم باع ، وكذلك لو كان الكافر هو باع حصته من المسلم ثم ادعياه جميعا فإنه ابن المسلم ، وينتقض البيع ويضمن المسلم حصة الكافر من قيمة الأم ومن عقرها ويرجع بالثمن إن كان نقده .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : ولو كانت أمة بين رجلين مسلمين فعلقت ، ثم باع [ ص: 214 ] أحدهما حصته من الآخر ، ثم وضعته بعد البيع لأقل من ستة أشهر فادعياه جميعا ، وقد كانا أقرا بالوطء قبل البيع ، فإنه يرى القافة فبأي الرجلين ألحق لحق ، وكان القول فيه على ما وصفنا في أول المسألة ، فإن ألحقوه بهما (جميعا) فهو ابنهما ، ولا يكون لواحد منهما على صاحبه شيء ، فإذا ماتا فهي حرة ، وليس لواحد منهما أن يطأها ، وينتقض البيع ، ورد الذي قبض الثمن على صاحبه الذي اشترى منه ، ويرثهما ويرثانه ، ويكون ولدهما حيين كانا أو ميتين . وقال أصحاب الرأي : يكون ابنهما يرثهما ويرثانه ، وهو للباقي منهما وينتقض البيع ، ويرد البائع ما قبض من الثمن .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت أمة بين نصراني ويهودي ومجوسي فولدت فادعوا الولد جميعا ، فإن كانوا يعذرون بالجهالة أري الولد القافة . في قول أبي ثور ، وكان الجواب فيه على مذهبه على ما وصفنا من قوله ، فإن ألحقوه بهم جميعا كان لهم جميعا ، وإن ألحقوه بواحد منهم كان ابنه وكان عليه ثلثي قيمة الأم ، وثلثي عقرها ، وثلثي قيمة ولدها ، وكان له على شريكيه ثلث عقرها ، وكان الحكم فيه على ما وصفنا في المسألة قبلها .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : يكون ابن اليهودي والنصراني ، ولا دعوة للمجوسي مع أهل الكتاب . وإن كانت أمة مجوسية فهو على دين الأبوين ، فإذا مات أحدهما فهو على دين الباقي منهما . وقال أبو ثور : وإذا كان ذمي ومسلم كان الحكم فيها كما وصفت . [ ص: 215 ]

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : إذا كانت أمة لذمي فباع نصفها من مسلم فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ باع نصفها ، فادعياه جميعا ، فإن كان الذمي قد أقر بوطئها قبل البيع ، فإن الولد ولده ، ويفسخ البيع ، ويرد الثمن على المشتري إن كان قبضه ، وتكون أم ولد للذمي ، ويلحق به النسب .

                                                                                                                                                                              وإذا كانت أمة بين رجل وامرأة فجاءت بولد فادعاه الرجل وادعاه أبو المرأة ، فإن نسبه يثبت من المالك ، ويضمن قيمتها ونصف عقرها ، ونصف قيمة الولد للمرأة ، وتكون أم ولد له وتبطل دعوة أبي المرأة ، وذلك أنه ليس بمالك، وكذلك لو ماتت المرأة صغيرة في حجر أبيها كان هكذا .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي كذلك ، إلا أنه لا يضمن نصف قيمة الولد .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا كانت أمة بين رجلين ، فجاءت بولد فقال كل واحد منهما لصاحبه : هذا ابنك ، فإنه لا يكون ابن واحد منهما وهو حر ولا رق عليه ، والأمة أم ولد موقوفة لا يملكها واحد منهما ، وإذا مات أحدهما فهي حرة ، وذلك أنهما جميعا قد زعما أنها أم ولد لأحدهما ، ولكن يستحلف كل واحد منهما لصاحبه على ما ادعى عليه ، وذلك أنه في قوله ابنك يدعي أن له عليه نصف قيمتها ونصف عقرها ونصف قيمة ولدها ، فإن حلفا فأمرهما على ما وصفنا ، فإن نكل أحدهما حلف الآخر ، وكان على الذي نكل نصف قيمتها ونصف عقرها ونصف قيمة ولدها وكانت أم ولد له وكان الولد ولده . [ ص: 216 ]

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : لا يكون ابن واحد منهما وهو حر ، وأمه بمنزلة أم ولد موقوفة لا يملكها واحد منهما فأيهما مات عتقت .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت مدبرة بين رجلين مسلمين أو كافرين أو كافر ومسلم ، أو مرتد ومسلم ، فجاءت بولد ، فادعاه أحدهما وكان يعذر بالجهالة ، فإنه ابنه وهو ضامن لنصف قيمتها ، ونصف عقرها ، ونصف قيمة ولدها ، ويبطل التدبير ، وذلك أن المدبرة بمنزلة الأمة في جميع أحوالها . وهذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : يكون ابنه وهو ضامن لنصف قيمة الولد مدبرا ، ولنصف العقر ، وولاء الولد بينهما وولاء الأم حصة أبي الولد منهما بمنزلة حصة أم الولد وحصة الآخر مدبرة .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا كانت أمة بين رجلين مسلمين أو كافرين أو مسلم وكافر ، فولدت ولدا فادعاه أحدهما فهو ابنه ، فإن ولدت بعد ذلك ولدا لستة أشهر ، فادعاه الآخر فإنه ابنه ، وتكون أم ولد الأول ، ويكون عليه نصف قيمتها ونصف عقرها ونصف قيمة ولدها لشريكه ، وتبطل الكتابة ويكون على الآخر قيمة الولد كله لشريكه وعقر مثلها .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : الولدان حران ويثبت نسبهما من الذين ادعياهما ، وعلى كل واحد منهما العقر للأمة تستعين به في كتابتها ، فإن أدت عتقت وكان الولاء بينهما ، وإن عجزت فهي أم ولد للأول دون الآخر . وهذا قول أبي حنيفة . [ ص: 217 ]

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا كانت أمة بين رجلين فولدت فادعى أحدهما الولد في مرضه الذي مات فيه فهو جائز ويكون ولده ، وعليه كما قلنا في المسائل قبلها ، وتعتق إذا مات من جميع المال ، وكذلك قال أصحاب الرأي إلا في نصف قيمة الولد .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا كانت أمة بين رجلين فجاءت بولد ، فادعياه جميعا ، فإنه يرى القافة فأيهما ألحق به لحق ، وإن ألحق بهما جميعا فهو منهما يرثهما ويرثانه ، وقد بينا ذلك في غير موضع .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان وصاحباه : هو ابنهما يرثهما ويرثانه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت جارية بين رجل وابنه فولدت ولدا ، فادعياه جميعا ، فإنه يرى القافة ، فإن ألحقوه بهما جميعا فهو ابنهما ، وإن ألحقوه بأحدهما فهو ابنه . وهذا قول أبي ثور . وقال : الحكم فيه كما ذكرناه في المسائل قبلها .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : نجعله ابن الأب نستحسن ذلك وأضمنه نصف قيمتها ونصف العقر ، وأضمن الابن أيضا نصف العقر فيكون كصاحبه ، وإذا كانت أمة بين رجلين أخوين أو رجل وعمه أو رجل وخاله فجاءت بولد ، فادعياه جميعا أري القافة ، وهذا على قول الشافعي وأبي ثور ، وبه نقول .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي كما قالوا ، وكذلك كل ذي رحم محرم ، [ ص: 218 ] أو غيره ما خلا الأب ، والجد من قبل الأب إذا كان الأب ميتا ، فإنا نستحسن في هذا أن نجعله للجد إن كان ، وإن كان الأب مسلما والأم من أهل الكتاب ، زوجة كانت أو أم ولد ، أو كانا كافرين جميعا فأسلم أحدهما الأب أو الأم والولد صغير ، فإن الولد يكون على دين المسلم أيهما كان .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : إذا أسلم أحد الأبوين والولد صغير فإنه يكون على دين الأب ، وهذا على قول مالك . وفي قول الشافعي والكوفي : يكون الولد على دين أيهما أسلم . وإن كان الوالدان مجوسيين فتهود أحدهما أو تنصر ، فالولد في قول الكوفي يكون على دين الكتابي ، وفي قول أبي ثور : الولد يكون على دين الأب على أي دين كان .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا كانت الجارية بين رجلين فولدت ولدا ، فادعياه جميعا أري القافة ، وأن القول فيه كما وصفنا .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : هو ابنهما جميعا وهي أم ولدهما ، فإن ولدت آخر بعد ذلك لم يلزمه واحد منهما إلا أن يدعيه أحدهما فيلزمه ، فأيهما ادعاه لزمه ، وضمن لصاحبه نصف قيمته إن كان موسرا ، والأم أمة . في قول أبي يعقوب ومحمد، ولا يضمن في قول أبي حنيفة شيئا ، وإن ادعياه جميعا لزمهما . [ ص: 219 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية