الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ما يكون جرحا مما إذا شهدوا به عليه وجب إسقاط شهادته به

                                                                                                                                                                              كان الشافعي يقول : وإذا شهد الشهود على رجل بشهادة فعدلوا ، أينبغي للقاضي أن يسميهم وما شهدوا به على المشهود عليه ، ويمكنه من جرحهم وإن جاء بجرحتهم قبلها ، وإن لم يأت بها أمضى عليه الحق ، ويقبل في جرحتهم أن يكونوا له مهاجرين في الحال التي شهدوا بها عليه ، وإن كانوا عدولا . وينبغي له أن يقف الشهود على جرحتهم ، ولا يقبل منهم الجرحة إلا بأن يبينوا ما (يجرح) مما يراه هو جرحا ، فإن من الشهود من يجرح بالتأويل وبالأمر الذي لا يجرح بمثله ، فلا يقبل الجرح حتى يثبتوا ما يراه هو جرحا ، كان الجارح من شاء أن يكون في فقه أو فضل .

                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد : ولا أراه جرحا حتى يخبر بالأمر الذي تسقط به شهادته من أجله فيرى الحاكم فيه رأيه . وكان عبيد الله بن الحسن يقول : إذا شهد [عنده] شهود على رجل بأمر ، فقال المشهود عليه : عندي من جرحهم . فقال : جيء بهم علانية فإذا فعلوا ذلك علانية ، وكانوا عدولا قبل ذلك منهم ، ولم يقبل منهم سرا .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : وإن ادعى المشهود عليه أنهم شهود زور ، وقال : أنا أجرحهم ، وأقيم البينة أنهم استؤجروا ، وأنهم فساق ، فإن النعمان [ ص: 343 ] قال : لا أقبل الجرح على مثل هذا ، وبه [يأخذ] . وكان ابن أبي ليلى يقبله ، وأما غير ذلك من محدود في قذف أو شريك أو عبد ، فهما يقبلان في هذا الجرح جميعا .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وحفظي عن أبي يوسف أنه قال بعد : يقبل الجرح إذا شهد من أعرفه وأثق به .

                                                                                                                                                                              وكان سوار إذا شهد عنده رجل بشهادة فجاء الخصم بقوم فشهدوا أنهم رأوه سكران سألهم كيف رأيتموه؟ فقالوا : رأيناه يميد . فقال سوار : قد [يميد] الرجل من وجع . فقال : رأيناه يمر حتى يصير إلى هذا الحائط ، ويرجع حتى يصير إلى هذا الحائط الآخر . فقال : قد يفعل هذا من دوار . فقالوا : رأيناه يجر وانتهى الأمر إلى هذا .

                                                                                                                                                                              وحكى ابن نافع أن مالكا سئل عن الشهود إذا شهدوا عند القاضي وعدلوا يقول للذي شهدوا عليه : دونك فاجرح؟ فقال : إن فيه لتوهينا للشهادة ، وما أرى إذا كان عدلا أو عدل عنده أن يفعل .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : بل يمكن منه المشهود عليه ، ولا يجوز منعه من ذلك; لأن من عدله قد يعدله على الظاهر ، ويكون الجرح خفي فلا يمنع أن يجرحه بما يجب أن يجرح مثله ، وقد يكون الرجل عدلا سويا ، ويكون بينه وبين المشهود عليه عداوة تخفى على كثير من الناس ، [ ص: 344 ] ويعلم ذلك أهل الخاصة ، وقد يكون عدلا في الظاهر ، وغير عدل عند من يجرحه من جيرانه وخاصته وأهل الخبرة به ، ولا يجوز منع الخصم من ذلك بوجه .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول : وأحب إلي أن لا يقبل القاضي شهادة الشاهد إلا بمحضر من الخصم المشهود عليه ، فإن قبلها بغير محضر منه فلا بأس ، وينبغي أن يقرأها عليه ليعرف حجته فيها ، وحجته إن كان عنده ما يجرحهم به .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية