الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر ولاء المملوك يعتق سائبة

                                                                                                                                                                              ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الولاء لمن أعتق " ، وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الولاء لحمة كلحمة النسب ، لا يباع ولا يوهب " .

                                                                                                                                                                              6945 - أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا محمد بن الحسن ، عن يعقوب ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الولاء لحمة كلحمة النسب ، لا يباع ولا يوهب " . [ ص: 528 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقال بجملة هذا الحديث كثير من أهل العلم من أهل الحجاز والشام ومصر .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في ولاء العبد الذي يقول له مالكه : أنت حر سائبة لله ، أو سائبة لا ولاء لي عليك .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : إذا فعل ذلك بطل ولاؤه ، وللعبد المعتق أن يوالي من شاء ، فإن مات ولم يوال أحدا فميراثه للمسلمين وعقله عليهم .

                                                                                                                                                                              كان عبد الله بن مسعود يقول : "السائبة يضع ماله حيث شاء " .

                                                                                                                                                                              6946 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا شعبة ، عن سلمة ، عن أبي عمرو الشيباني قال : قال [عبد الله] : السائبة يضع ماله حيث شاء .

                                                                                                                                                                              6947 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال : أخبرنا يزيد بن هارون قال : حدثنا سليمان ، عن أبي عثمان ، عن عمر بن الخطاب قال : الصدقة والسائبة ليومهما - يعني ليوم القيامة . [ ص: 529 ]

                                                                                                                                                                              6948 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال : أخبرنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا سليمان ، عن بكر بن عبد الله أن ابن عمر أتي بمال من مال مولى له فقال : إنما كنا أعتقناه سائبة ، فأمر أن يشترى به رقابا فيلحقونها به ، أي : يعتقونها .

                                                                                                                                                                              وكتب عمر بن الخطاب في سائبة مات ولم يوال أحدا : أن ميراثه للمؤمنين وأنهم يعقلون عنه جميعا .

                                                                                                                                                                              وقال عطاء : كنا نعلم إذا قال : أنت حر سائبة ، فهو يوالي من شاء ، وهو مسيب ، وإن لم يقل : وال من شئت .

                                                                                                                                                                              وقال الزهري : يعقل عنه السلطان ويرثه ، وقال مرة : ميراثه في بيت مال المسلمين يرثونه ويعقلون عنه .

                                                                                                                                                                              وكان النخعي والشعبي يقولان : لا بأس ببيع ولاء السائبة ولا هبته .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : ليس له أن يوالي أحدا وولاؤه لجماعة المسلمين وعقله عليهم . هذا قول مالك بن أنس .

                                                                                                                                                                              وكان عطاء يقول : إذا لم يوال السائبة أحدا حتى مات دعي الذي [ ص: 530 ] أعتقه إلى ميراثه ، فإن قبله فهو أحق به وإلا ابتيع به رقابا فأعتقت .

                                                                                                                                                                              وقال عمرو بن دينار : ما أرى إلا ذلك .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : المعتق سائبة كالمعتق غير سائبة والولاء لمن أعتق .

                                                                                                                                                                              روي عن ابن مسعود أن رجلا جاءه فقال : إني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة في سبيل الله . قال : إن أهل الإسلام لا يسيبون إنما كانت تسيب أهل الجاهلية ، وأنت ولي نعمته ، وأنت أحق الناس بماله ، فإن تحرجت من شيء ، فذرنا نجعله في بيت المال ، قال : وكان قد توفي مولاه ذلك .

                                                                                                                                                                              6949 - حدثنا علي بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، عن أبي قيس الأودي قال : حدثني هذيل بن شرحبيل ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال ذلك .

                                                                                                                                                                              وروي أن سالما مولى أبي حذيفة أعتقته امرأة من الأنصار سائبة ثم قالت : اذهب فوال من شئت ، فوالى أبا حذيفة ، فلما قتل يوم اليمامة دفع ميراثه إلى الأنصارية التي أعتقته أو إلى ابنها .

                                                                                                                                                                              6950 - حدثناه إسحاق قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين عنه . [ ص: 531 ]

                                                                                                                                                                              وممن قال بأن ولاء السائبة للذي أعتقه : الحسن البصري ، والشعبي ، وابن سيرين ، وراشد بن سعد وضمرة بن حبيب ، والشافعي ، والذي نقول به أن ولاء السائبة لمعتقه إذ هو داخل في جملة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الولاء لمن أعتق " وغير خارج منه بكتاب ولا سنة ولا إجماع .

                                                                                                                                                                              وقد اختلفت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، وليس في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ، وشراء ابن عمر بما ورثه عن مولاه الرقاب يدل على أنه كان يرى أن المال له ، ولكنه تقرب إلى الله بشراء الرقاب ، ولو كان الشيء لغيره لم يكن يشتري بما لا يملكه رقابا إن شاء الله .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية