الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الأيمان في الدماء

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في استحلاف المدعى عليه القتل ، فقالت طائفة : الأيمان في الدماء تخالف جميع الأيمان ، الدم لا يبرأ منه إلا بخمسين يمينا ، وما سواه يستحق ، ويبرأ منه بيمين واحدة إلا اللعان ، فإنها بأربعة أيمان والخامسة (اللعان) هذا قول الشافعي، وحجته في ذلك خبر القسامة ، وفيه قول ثان : وهو أن الذي يستحلف في غير باب القسامة يمين واحد ، هذا قول أصحاب الرأي ولا أحسبه إلا مذهب أهل المدينة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " .

                                                                                                                                                                              فهذا الخبر يصرح بأنها يمين واحدة لا أيمان جماعة وليس لمتأول مع هذا الخبر تأويل ، ودخل في جملة قوله صلى الله عليه وسلم "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " كل مدع وكل مدعى عليه إلا ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم القسامة ، فإن ذلك باب مخصوص لا يجوز أن يؤخذ ما أصله موجود في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيجعل فرعه يقاس على أصل لا يشبهه ، وفي [ ص: 50 ] ذلك غلط من وجوه : أحدها : قياس الأصول بعضها على بعض . والثاني : أنه لو كان فرعا ما جاز أن يقاس على ما لا يشبهه . والثالث : أن أحق الناس أن يمتنع أن يجعل باب الدعوى في الدم قياسا على باب القسامة من لا يرى في القسامة القود ، لأنه يرى القود في الدم يدعيه الرجل ، ويمنع المدعى عليه من اليمين فيرى أن يحلف المدعي ويستحق الدم ، والقسامة يبدأ فيها المدعي باليمين ، والمدعى عليه في غير باب القسامة يبدأ باليمين ، وفيما قدمنا ذكره من رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو يعطى الناس بدعواهم . . . ولكن اليمين على المدعى عليه " ما أغنى عن كل قول ، ومع ذلك إن من قول أصحابنا أن المخصوص لا يجوز القياس عليه كالمسح على الخفين ، وغير ذلك [من المسح ] أصحابنا يستعملون الأخبار المختلفة في موضعها إذا وجدوا إلى استعمالها سبيلا كصلاة الخوف يستعملون كل خبر في موضعه ، ويرون أن قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول " في البراري دون المنازل ، استدلالا بأن ابن عمر ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس فأحق الناس باستعمال الأخبار التي ذكرناها في باب الدعوى والبينات ، وباب القسامة كل خبر في موضعه من دعا إلى أن القول بالأخبار تجب كل خبر في موضعه على ما قد ذكرناه عنه . [ ص: 51 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية