الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر دعوى النتاج

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الدابة تكون بيد الرجل فادعاها آخر ، وأقام كل واحد منهما بينة على أنها دابته نتجها عنده فكان الشافعي يقول : هي للذي في يديه بفضل قوة سببه وهذا قول شريح، وإبراهيم النخعي ، وبه قال أصحاب الرأي ، وأبو ثور، وكذلك العبد والأمة ، و (الدابة) .

                                                                                                                                                                              6623 - وقد روينا عن طاوس أنه قال في الدابة يأتي هذا بشهداء وهذا بشهداء عليها : إنها للذي هي في يديه . وبه قال أبو عبيد، وقال : هذا قول أهل المدينة وأهل الشام .

                                                                                                                                                                              6624 - واحتج الشافعي بحديث أداه عن ابن أبي يحيى ، عن إسحاق بن أبي فروة ، عن عمر بن الحكم ، عن جابر بن عبد الله أن رجلين تداعيا دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يديه . [ ص: 91 ]

                                                                                                                                                                              وقد ذكرت أمر إبراهيم ومن رماه بالكذب في غير موضع وإسحاق بن أبي فروة ، قال يحيى بن معين : ليس بثقة ، وقال محمد بن إسماعيل : تركوه ، وكان أحمد بن حنبل يقول : لا فرق بين النتاج وغيره ويقضي بالدابة للذي ليست في يديه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كان الثوب في يد رجل فأقام آخر البينة أنه ثوبه نسجه فأقام الذي هو في يديه البينة أنه نسجه فإنه يقضي به للذي هو في يديه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كان ثوب خز في يد رجل فادعاه رجل أنه ثوبه نسجه وأقام على ذلك بينة ، وأقام الذي هو في يديه البينة على مثل ذلك ، فهو للذي هو في يديه في قول الشافعي، وأبي ثور . وقال أصحاب الرأي : إن كان مما ينسج مرتين قضيت به للمدعي ، وإن كان مما لا ينسج إلا مرة قضيت به للذي هو في يديه ، وإن كان مشكلا قضيت به للمدعي حتى أعلم أنه مما لا ينسج مرتين ، وبه قال محمد . وفي قول أحمد بن حنبل : الثوب للذي ليس هو في يديه .

                                                                                                                                                                              والجواب في نصل السيف يكون بيد رجل في قول أبي ثور كما قال في الثوب الخز . وفي قول أصحاب الرأي كما قال أبو ثور ، وقالوا في الشعر والخز إذا كانا مما ينقض ويغزل مرتين هو للمدعي . وكذلك قالوا [ ص: 92 ] في الحلي ، لأنه يصاغ غير مرة .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : إذا كانت الدار في يد رجل فأقام رجل البينة أنها دار جده اختطها ، ثم ساق مواريث حتى انتهت إليه ، فأقام الذي هي في يديه البينة على مثل ذلك . فإنها للذي هي في يده ، وفي قول أصحاب الرأي يقضى بها للمدعي ؛ لأن الخطة قد تكون غير مرة .

                                                                                                                                                                              وإذا كان الصوف في يد رجل فأقام رجل البينة أنه صوف جزه من غنمه ، وأقام الذي في يديه على مثل ذلك . فهو للذي هو في يده ، وكذلك المرعى ، والشعر والخز ، في قياس قول الشافعي، وبه قال أبو ثور ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت أرض أو نخل في يد رجل فأقام رجل عليها البينة أنها أرضه ونخله غرسه فيها ، وأقام الذي في يده الأرض على مثل ذلك فإذا أثبتوا له الأرض ملكا والنخل ، كانت للذي في يديه في قياس قول الشافعي وبه قال أبو ثور ، وقال أصحاب الرأي : يقضى به للمدعي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت حنطة في يد رجل وأقام رجل البينة أنها حنطته زرعها ، وأقام الذي في يديه البينة على مثل ذلك ، فإنها للذي في يديه في قياس قول الشافعي وبه قال أبو ثور ، وقال أصحاب الرأي : يقضى بها للمدعي ، وقياس قول أحمد بن حنبل : أن الشيء للذي ليس بيده . [ ص: 93 ]

                                                                                                                                                                              وإذا كان قطن أو كتان في يد رجل فأقام رجل البينة أنه له زرعه في أرض له وأقام الذي هو في يده أنه له زرعه في أرض له أخرى ، فإنه للذي هو في يده في قياس قول الشافعي، وبه قال أبو ثور ، وقال أصحاب الرأي : هو للمدعي .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور وأصحاب الرأي : لو أن أمة في يد رجل أقام رجل عليها البينة أنها أمته ولدت في ملكه من أمة عنده وأقام الذي هو في يديه البينة أنها أمته ولدت في ملكه من أمته هذه . فإنه يقضى بها للذي هي في يده . واختلفوا فيه إن أقام المدعي البينة على الأم التي في يد المدعى عليه أنها له وأنها ولدت هذه الأمة في ملكه وأقام الذي في يده الجارية على مثل ذلك فكان أبو ثور يقول : إن أثبتوا له ملك الأم كانتا للذي هي في يده ، وقال أصحاب الرأي : يقضى بها وبأمها للمدعي ، وكذلك الحيوان كله في قولهم جميعا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كان عبد في يدي رجل فادعى رجل آخر أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه ومن عبده هذا وأقام البينة على ذلك ، فإنه للذي هو في يده في قول أبي ثور وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كان العبد في يد رجل ، فأقام رجل البينة أنه عبده اشتراه من فلان ، وأنه ولد في ملك فلان الذي باعه إياه ، وأقام الذي هو في يده البينة أنه اشتراه من فلان رجل آخر ، وأنه ولد في ملكه ، فإنه للذي [ ص: 94 ] هو في يده في قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولو لم يقم بينة على ذلك ، وأقام بينة أنه عبده ولد في ملكه كان له أيضا ، ولو لم تقم له بينة على ذلك وأقام بينة على أن أباه مات وتركه ميراثا له ولا وارث له غيره ، وأنه ولد في ملكه فإنه له أيضا ، ولو لم يقم بينة على ذلك وأقام بينة على هبة مقبوضة أو صدقة مقبوضة ، وأنه ولد في ملك الواهب أو المتصدق فإنه له أيضا ، ولو لم تثبت بينة على الولادة فإنه يقضى بها للمدعي ، لأنه يثبت ملك الذي اشتراه منه إذا كان ولد في ملكه ، وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي ، وكان أبو ثور يقول : وإذا كان عبد في يد رجل فأقام رجل عليه البينة أنه عبده ولد من أمته هذه ومن عبده هذا ، وأنه ولد في ملكه ، وأقام الآخر البينة على مثل ذلك ، فإنه يوقف حتى يعلم لمن هو منهما ، إذا لم يؤقت الشهود ويخرج من يدي الذي هو في يده ؛ لأن الشهود قد أزالوا ملكه عنه وأثبتوا ملكه لأحد هذين فيوقف حتى يعلم أو يصطلحا عليه . وقال النعمان : يقضي به بينهما نصفين ، وقال أبو يوسف ومحمد : لا يثبت نسبه من الاثنين ؛ لأن علمي يحيط أنه (بالمرأتين) وقد يشترك الأبوان في الولد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كان قباء محشوا في يد رجل ، فأقام آخر عليه البينة أنه قباؤه قطعه وحشاه في ملكه وخاطه ، وأقام الذي في يده القباء على مثل ذلك فإن القباء للذي هو في يده ، وكذلك الجبة [ ص: 95 ] المحشوة ، والجبة الخز ، والفراء ، والبرود ، والبسط والأنماط ، والوسائد ، إذا شهدوا على ملكه فهو للذي هو في يده في قول أبي ثور ، وقال أصحاب الرأي : هو للمدعي ، وكذلك قالوا في الثوب المصبوغ بالعصفر أو الورس والزعفران يقضى به للمدعي ؛ لأن هذا يكون غير مرة ، وفي قول أبي ثور : يقضى به للذي هو في يده ، وكذلك نقول ، وقال أبو ثور : وإذا كان كوز صفر أو تور أو طست أو إناء من آنية الحديد ، أو الصفر ، أو النحاس ، أو الشبه ، أو الرصاص في يد رجل فأقام رجل البينة أنه صاغه في ملكه ، وأقام الذي في يده البينة على مثل ذلك ، فإنه للذي في يده في قول أبي ثور ، وقال أصحاب الرأي : إن كان هذا لا يصاغ إلا مرة فإنه للذي هو في يده ، وإن كان يصاغ غير مرة فهو للمدعي . وإذا كان المصراعان الساج أو الخشب أو (المصراع) فيكون في يد رجل من ذلك شيء فيقيم رجل عليه البينة أنه له ، وأنه نجره في ملكه وصنعه ، وأقام الذي هو في يده البينة على مثل ذلك فإنه هو للذي هو في يده في قول أبي ثور ، وقال أصحاب الرأي : إن كان هذا لا يكون إلا مرة فهو للذي هو في يده وإن كان يكون مرتين فهو للمدعي . [ ص: 96 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وكذلك الخفاف ، والنعال ، والتابوت ، والحجلة ، والقلانس ، والسرر ، والقبة ، والصندوق يكون في قول أبي ثور للذي هو في يده . وقال أصحاب الرأي كما قالوا في التي قبلها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كان لحم مشوي ، أو سمك مشوي ، في يد رجل فادعاه آخر ، وأقام البينة أنه شواه في ملكه ، وأقام الذي في يده الشيء البينة على مثل ذلك فإنه هو للذي هو في يده في قول أبي ثور ، وقال أصحاب الرأي : هو للمدعي قال أبو ثور : والشواء لا يكون مرتين فهو خطأ على قوله .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت أمة في يد رجل فأقام رجل عليها البينة أنها أمته ولدت في ملكه ، وأقام آخر عليها البينة أنها أمته سرقت منه ، أو أبقت منه أو غصبه هذا ، فإنه يقضي بها لصاحب الولادة ، وذلك أنها لما ولدت في ملكه كانت له فلا يزول ملكه حتى يشهد بالشهود أنه قد زال ملكه عنها ، في قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              إذا كانت دابة في يد رجل فأقام آخر البينة أنها دابة نتجت عنده ، وأقام رجل آخر أنها دابته أجرها من هذا الذي هي في يده أو أعارها أو أودعها إياه أو وهبها له فإنه يقضى بها لصاحب النتاج ، وكذلك نقول .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا كانت دابة في يد رجل فأقام رجل البينة أنها دابته ، وأقام الذي هي في يده البينة أنها دابته نتجها في ملكه ، فإنه يقضي بها للذي هي في يده وكذلك لو أقام البينة الذي هي في يده أنه اشتراها من فلان بمائة درهم ونقده الثمن ، وأنها نتجت في ملكه ، وكذلك الهبة ، [ ص: 97 ] والصدقة ، والعمرى ، والنحل ، والعطية هي للذي هي في يده في قولهم جميعا .

                                                                                                                                                                              وقالوا جميعا : إذا كان الثوب في يد رجل فأقام آخر البينة أنه نسجه ولم يشهدوا أنه له ولا في ملكه ، فإنه لا يقضى به له ، وذلك أنه قد يكون حائك نسجه لصاحبه ، وكذلك لو كانت أمة فأقام البينة أنها ولدت عنده ولم يشهدوا أنها له ولا ولدت في ملكه ، وكذلك لو شهدوا أنها ابنة أمته لم يقض بها له وذلك أنها قد تكون ابنة أمته وهو لا يملكها .

                                                                                                                                                                              وقالوا : لو شهدوا أن هذا الزرع أخذ من أرض فلان ، أو هذه الحنطة أخذت من أرض فلان لم يقض بها له ، وذلك أن الأرض قد تكون لرجل ويكون الزرع لغيره .

                                                                                                                                                                              وإذا شهدوا أن هذا التمر أخذ من نخل فلان قضى به لفلان ، وذلك أن ثمرة النخل لصاحب النخل .

                                                                                                                                                                              وقالوا : وإذا شهدوا أن هذا العبد ولدته أمة فلان هذه وهو يملكها قضى له بالعبد ، وكذلك لو قالوا : ولدته أمة في ملكه فإنه يقضى بها له .

                                                                                                                                                                              وكذلك النتاج هو مثل الولادة سواء في قولهم جميعا .

                                                                                                                                                                              ولو شهدوا أن فلانا غزل هذا الغزل من قطن فلان ، وفلان يملك القطن ونسج الثوب ، فإن لصاحب القطن أخذ الثوب ، فإن كان فيه [ ص: 98 ] زيادة على ثمن القطن لم يكن على صاحب القطن شيء ، وكان في ذلك إما مقطوع وإما غاصب ، وليس له في الغزل شيء قائم .

                                                                                                                                                                              وكذلك لو شهدوا أنه طحن هذا الدقيق من حنطة لفلان وهو يملكها ، فإن الدقيق لصاحب الحنطة ، وإن كان فيه نقصان من ثمن الحنطة كان ضامنا ، وإن كانت فيه زيادة كانت لصاحب الحنطة ولا يكون له أجرة بالطحن ولا يملك الدقيق بما أحدث في الحنطة ، وذلك أن أهل العلم لا اختلاف بينهم قالوا في رجل غصب جارية مريضة فعالجها وداواها وقام عليها حتى صلحت وبرئت : أنها لصاحبها ولا شيء للغاصب فيها ، هذا قول أبي ثور . وقال أصحاب الرأي : على الذي غزل الثوب مثل ذلك القطن ، والثوب له ، وعليه حنطة مثل الحنطة ، والدقيق له ، لأنه غاصب فهو ضامن . وإن قال رب الحنطة : أنا أمرته بطحنها ، وقال صاحب القطن : أنا أمرته بغزله ونسجه أخذ الدقيق والثوب في قولهم جميعا .

                                                                                                                                                                              وقالوا جميعا : إذا كان الدجاج والحمام أو شيء من الطير في يد رجل فأقام رجل عليه البينة أنه فرخ في ملكه وهو له ، وأقام الذي في يده البينة على مثل ذلك فإنه يقضى به للذي هو في يده . وإن كان الدجاج في يدي رجل ، فأقام رجل البينة أنها له ، وأنه فرخه في ملكه ، وأقام الذي في يده البينة أنها له قضي به للمدعي في قولهم جميعا .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا كانت دجاجة في يد رجل فأقام رجل البينة أن البيضة [ ص: 99 ] التي منها هذه الدجاجة كانت له قضيت له بالدجاجة ، لأنها خرجت من ملك له ، وقال أصحاب الرأي : يقضي على صاحب الدجاجة ببيضة مثلها لصاحبها إذا أقر أنه فرخها ، ولا يشبه هذا في هذه المنزلة الولادة والنتاج .

                                                                                                                                                                              قال أبو ثور : وهذا خطأ ، وذلك أن أهل العلم لا اختلاف بينهم قالوا في رجل غصب جارية فولدت عنده : أن الجارية وولدها للمغصوب ، فكذلك البيضة لما اغتصبها فخرج منها دجاجة كانت الدجاجة لصاحبها ، وكل ما تولد من ملك إنسان شيء فهو له .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : هذا بمنزلة رجل غصب قفيزا من حنطة فزرعه فخرج منه عشرة أقفزة فهذه الحنطة كلها للغاصب ، وعليه قفيز من حنطة مثل ما غصب ، ويؤمر أن يتصدق بالفضل في قول النعمان ومحمد ، ولا يتصدق بشيء في قول يعقوب .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : إنما يفزع الخصم إلى حجة من كتاب ، أو سنة ، أو إجماع ، فأما أن يفزع إلى خطأ من القول قد خولف فيه فلا يشاء أحد أن يفعل كفعله إلا فعل .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : ولو أن رجلا اغتصب دجاجة فباضت عنده بيضتين فحضنت الدجاجة إحدى البيضتين من غير أن يحضنها الغاصب وأخذ الغاصب البيضة الأخرى فجعلها (تحت دجاجة أخرى) فأخرجتا فروخين ، فإن الدجاجة والفروخين لصاحب الدجاجة . [ ص: 100 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا يشبه مذاهب الشافعي وبه نقول . وقال أصحاب الرأي : الدجاجة والفروخ الذي خرج تحتها لصاحبها ، والفروخ الآخر للغاصب ، وعليه مثل البيضة .

                                                                                                                                                                              وإذا كان في يد رجل ثوب وهو مصبوغ بعصفر ، فشهد شاهد أن هذا العصفر الذي في هذا الثوب لفلان صبغ به هذا الثوب ولا يدرى من صبغه ، وجحد رب الثوب ذلك ، وادعى رب العصفر أن رب الثوب فعل ذلك ولا بينة تشهد على فعل رب الثوب ، فإن رب الثوب يستحلف ما فعل ذلك ، فإذا حلف قيل لرب العصفر : إن أمكنك أن تأخذ عصفرك فخذه من غير أن تضر بالثوب ، وإن لم يمكنه فليس له أخذ الثوب ، ولا يضمن صاحب الثوب صاحب العصفر شيئا ، ولا يأخذ صاحب العصفر الثوب ، ويعطي صاحب الثوب قيمته ؛ لأن رب الثوب لم يتعد ولم يجن ، هذا قول أبي ثور . وفي قول الشافعي : يكونان شريكين في الثوب والعصفر على قدر ما لكل واحد منهما فيه .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : يقوم الثوب أبيض ، ويقوم وفيه العصفر ، ويرد رب الثوب على صاحب العصفر قيمة ما زاد العصفر في ثوبه ، فإن أبى رب الثوب أن يضمن ذلك بيع الثوب ، فيقسم الثمن بينهم يضرب فيه رب الثوب بقيمة الثوب ، ويضرب فيه صاحب العصفر بقيمة ما زاد العصفر في قيمة الثوب ، موسى عنهم . وقال قائل : لا يخلو العصفر أن يكون صاحب الثوب [ ص: 101 ] جعله فيه ، أو غيره ، أو يكون الثوب وقع في العصفر ، أو العصفر انصب على الثوب من غير جناية (أتى) ، فأي ذلك كان فغير جائز إبطال حق صاحب العصفر ، لأنه لم يتعد ، والذي يجب أن ينظر إلى قيمة الثوب قبل الصبغ وقيمة العصفر ، ثم يباع فيقسم ثمن الثوب بينهما على قدر ما لكل واحد منهما أو يوقف حتى يصطلحا ، ولا يجوز أن يبطل حق صاحب العصفر ، لأنها عين قائمة ، وكيف يجوز أن يأخذ صاحب الثوب عين مال صاحب العصفر ، وإنما ثمن ثوبه كان عشرة دراهم ، وقد بيع بخمسة عشر درهما كيف يملك خمسة عشر درهما بغير حجة .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية