الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر جر الولاء

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في مملوك نكح مولاة لقوم فأولدها أولادا ثم عتق الأب ، فقال أكثر أهل العلم : يجر الولاء إلى مواليه .

                                                                                                                                                                              روي هذا القول عن عمر وعثمان ، وعلي ، وعبد الله ، وزيد بن ثابت ، [ ص: 552 ] والزبير بن العوام ، ومروان بن الحكم .

                                                                                                                                                                              6967 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن الأسود أن شريحا كان يقضي إذا كان الأب مملوكا والأم حرة ولها أولاد ، قضى أن ولاء ما ولدت من زوجها مملوكا لموالي الأم ، وأنه وقع يومئذ فلا ينتقل ، حتى حدثه الأسود بن يزيد أن عبد الله بن مسعود قال : يجر الأب الولاء إذا أعتق . فقضى به شريح بعد .

                                                                                                                                                                              6968 - حدثنا أبو أحمد قال : أخبرنا الحسين (بن الوليد) قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، أن شريحا كان لا يرجع عن قضاء قضى به ، حتى حدثه الأسود عن عمر ، أنه قال في حرة تزوجها عبد فولدت له أولادا ثم أعتق العبد قال : عصبته عصبة مواليه فأخذ به شريح .

                                                                                                                                                                              6969 - حدثنا موسى قال : نا أبو بكر قال : حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن الشعبي ، عن عمر وعلي وعبد الله وزيد كانوا يقولون : إذا لحقه عتاقة وله أولاد من حرة جر ولاءهم . [ ص: 553 ]

                                                                                                                                                                              6970 - حدثنا موسى قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن حجاج ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي قال : يرجع الولاء إلى موالي الأب إذا أعتق . وحدث أن عمر وعثمان قضيا به ، وأن شريحا لم يقض به ثم قضى به .

                                                                                                                                                                              6971 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : أخبرني حميد الأعرج ، أن محمد بن إبراهيم التيمي أخبره ، أن الزبير بن العوام قدم خيبر فإذا هو بفتيان أعجبه طرفهم وجلدهم ، فقال : من هؤلاء؟ فقيل له : موالي لرافع بن خديج . فقال : ومن أين؟ قال : نكح غلام للأعراب مولاة له فحملت فجاءت بهؤلاء ، فابتاع الزبير ذلك العبد أباهم بخمسمائة درهم فأعتقه ، ثم أخرجهم من مال رافع وجعلهم في ماله ، ثم قدم المدينة فأرسل إلى رافع بن خديج فأخبره الخبر وأنهم موالي ، وإن كان لك خصومة فأت عثمان ، فجاء عثمان فأخبره الخبر ، وأخبره ما صنع الزبير وما قال ، فقال عثمان : صدق الزبير هم مواليه . قال : فهم مواليه اليوم . [ ص: 554 ]

                                                                                                                                                                              6972 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : مر الزبير بموالي لرافع فأعجبوه ، فقال : لمن هؤلاء؟ قالوا : موالي لرافع بن خديج . قال : ومن قبل أين؟ قيل : أمهم مولاة لرافع وأبوهم عبد لفلان رجل من الأعراب ، فاشترى الزبير أباهم فأعتقه ثم قال : أنتم موالي . فاختصم الزبير ورافع إلى عثمان فقضى بولائهم للزبير . قال هشام : فلما كان معاوية خاصمونا فيهم أيضا ، فقضى لنا بهم معاوية . قال : فإنهم موالي لنا حتى اليوم .

                                                                                                                                                                              وبه قال عمر بن عبد العزيز ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وسعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعي ، وهو قول مالك بن أنس ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وسفيان الثوري ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد . [ ص: 555 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن ولاءهم لأهل أمهم . كذلك قال عطاء وعكرمة بن خالد ، والزهري ، ومجاهد .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الجد هل يجر ولاء ولد ابنه أم لا؟ فكان الشعبي يقول : يجر الجد الولاء .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : الأمر عندنا في ولد العبد من المرأة الحرة وأبو العبد حر أن الجد أبا العبد يجر ولاء ولد ابنه الأحرار من المرأة الحرة ، يرثهم ما دام أبوهم عبدا ، فإن أعتق أبوهم رجع الولاء إلى مواليه ، وإن مات وهو عبد ، كان الولاء والميراث للجد .

                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا يجر الجد الولاء ، وكذلك قال أبو يوسف ومحمد ، أرأيت لو أعتق أبوهم بعد ذلك كان أبوهم يجر الولاء أم لا؟ أرأيت لو أسلم جدهم وأبوهم كافر وهم صغار في حجر أبيهم أيكونون مسلمين بإسلام جدهم؟ فإن كان الأب يحجبهم في ذلك كان الجد من الولاء أبعد ، وفرق آخر بين باب الولاء من الإسلام فقال : أرأيتم صبيا مات وله أب عبد وجد حر هل يرثه جده أم لا؟ فإن قالوا الميراث لجده ، قيل لهم : فإن كان جده مسلما وأبوه كافرا هل يكون مسلما بإسلام جده كما يكون مسلما بإسلام أبيه؟ فإن قالوا : لا يكون مسلما بإسلام جده ، لا يقوم جده في الإسلام مقام أبيه ، وليس الإسلام من باب المواريث في شيء ، قيل لهم : وكذلك ليس الإسلام من باب جر الولاء في شيء . [ ص: 556 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية