الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسائل من أبواب الشهادات

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم على أن لا شهادة للمجنون في حال جنونه ، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الذي يجن ويفيق إذا شهد في حال إفاقته التي يعقل فيها أن شهادته مقبولة إن كان عدلا ، [ ص: 307 ] كذلك قال مالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبو ثور ، وبه قال أحمد وإسحاق ، ولا أحسبه إلا مذهب أهل الكوفة .

                                                                                                                                                                              وقال مالك في المولى عليه : إن كان عدلا جازت شهادته .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي لا يرى دفع مال اليتيم إليه حتى تكون الشهادة به جائزة مصلحا لماله .

                                                                                                                                                                              وقال الحسن في قوله : ( فإن آنستم منهم رشدا ) قال : صلاحا في دينه وحفظا لماله .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فعلى هذا القول إن كان مستحقا للحجر عليه فشهادته غير مقبولة ، وإن كان عدلا حافظا لماله فشهادته مقبولة ، ولا يجوز أن يولى عليه .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين إن كان يجمع عليهما ويغشى فهذا سفه ترد به شهادته ، وهو في الجارية أكثر من قبل أن فيه [سفها] ودياثة ، وإن كان لا يجمع (عليها) ولا يغشى (لها) كرهت ذلك له ، ولم يكن فيه ما ترد به شهادته ، وهكذا الذي [ ص: 308 ] يغشى بيوت الغناء ويغشاه المغنون ، وإن كان لذلك مدمنا مستغلبا عليه ، فهي منزلة سفه ترد بها شهادته ، وإن كان ذلك [يقل] منه لم ترد به شهادته ، لما وصفت من أن ذلك ليس حراما بينا .

                                                                                                                                                                              وقال عبيد الله بن الحسن في رجل عنده جوار يغنين ويضربن عنده للبيع ولا يضرب عنده بيد وكان عدلا رأيت شهادته جائزة .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : لا تجوز شهادة صاحب الغناء الذي يخادن عليه يجمعهم ولا شهادة لنائحة .

                                                                                                                                                                              6736 - وحدثنا علي بن عبد العزيز (قال : حدثنا أبو نعيم) قال : حدثنا حماد ، عن أبي المهزم ، عن أبي هريرة أنه كان لا يجيز شهادة أصحاب الحمر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وبه قال زياد ، وذكر أحمد حديث أبي هريرة فقال : لا أدري . قال إسحاق : إذا كانوا عدولا جاز; لأن في كل أهل بياعة عدلا وغير عدل ، ولكن أبا هريرة خصهم لما فيهم من الأيمان الفاجرة . وقال [ ص: 309 ] قتادة في شهادة الصناع : منهم هو بأهل أن تجوز شهادته . وقال أبو عبيد : كل صناعة كانت حلالا ، وهي منافع للناس ، فهم أسوة المسلمين في جميع أحكامهم ، وشهاداتهم يسقطها ما يسقط غيرهم ، ويجيزها ما يجيز غيرهم ، وإنما تكون المكاسب التي تبطل الشهادات أن يكون أصلها مكروها منهيا عنها مثل : مهور البغايا ، وحلوان الكاهن ، وأثمان الكلاب ، وعسب الفحل ، ومعالجة التماثيل والتصاوير التي تضاهي ذوات الأرواح ، وكسب النائحة والمغنية ، وجميع الملاهي والمعازف ، من كان من أهل الصنعة لها ، أو كان من أهل الكسب بها ، فهذه الصناعات وما أشبهها التي لا يكون أهلها عدولا أبدا .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن شريح أنه كان لا يجيز شهادة صاحب حمام ، ولا صاحب حمام .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : لا تجوز شهادة من يلعب بالحمام يطيرهن ، ولا شهادة صاحب الغناء الذي يخادن عليه يجمعهم .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول : ومن تأكدت عليه أنه يغشى الدعوة بغير دعاء من غير ضرورة ، ولا يستحل صاحب الطعام فتتابع ذلك منه ردت شهادته ، لأنه يأكل محرما ، وإذا نثر على الناس في الفرح ، وأخذه بعض من يحضرهم لم يكن هذا مما يجرح به شهادة أحد ، وأنا أكرهه لمن أخذه ، لأنه يأخذه إما بفضل قوة ، وإما بفضل قلة حياء ، والمالك له لم يقصد به قصده ، إنما قصد به قصد الجماعة فأكرهه لأخذه ، لأنا لا نعرف حظه من حظ من قصد به بلا أذية ، وأنه خلسة وسخف . [ ص: 310 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ما أكره أخذ ما أبيح لمن أخذه استدلالا بحديث عبد الله بن قرط .

                                                                                                                                                                              6737 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، عن ثور قال : حدثنا راشد بن سعد ، عن عبد الله بن لحي ، عن عبد الله بن قرط ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أفضل الأيام عند الله يوم النحر [ثم] يوم القر " وقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ست بدنات أو خمس لينحرهن فطفقن يزدلفن أيتهن يبدأ بها فتكلم بكلمة خفية لم أعها فقلت : ما قال؟ فقال : "من شاء اقتطع " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فكل ما نثر أو أبيح في الملاك أو غيره فأخذه مباح لمن أخذه ، وإن لم يصل إليه إلا بفضل [قوة] ; لأن المبيح لهم ذلك قد علم اختلاف قواهم ، وإباحته ذلك لهم صلى الله عليه وسلم مع العلم المحيط بأن قواهم وأخذهم مختلف دليل على إباحة ذلك ، وليس في البدن الذي أباح لهم صلى الله عليه وسلم معنى إلا وهو موجود في النثار والله أعلم .

                                                                                                                                                                              وكان عبد الملك بن يعلى يقول : لا أجيز شهادة من تقوم عليه البينة أنه ترك الجمعة ثلاث مرات . [ ص: 311 ]

                                                                                                                                                                              وقال مالك في الذي يترك الجمعة بقرية يجمع فيها من غير مرض ولا علة : لا أرى أن تقبل شهادته .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : هكذا أقول للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه " .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية