الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الرجل يسلم على يدي الرجل

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يسلم على يدي الرجل : فقال كثير من أهل العلم : لا يكون بإسلامه على يديه مولى له . روي هذا القول عن الشعبي ، والحسن ، وبه قال مالك بن أنس ، والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وقال أحمد كذلك مرة ووقف عن الجواب فيه مرة . [ ص: 561 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهكذا نقول; لأن في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "الولاء لمن أعتق " دليل على أن الولاء لا يكون إلا لمعتق .

                                                                                                                                                                              وقال بعضهم : إذا والى الرجل الرجل وأسلم على يديه فهو يعقل عنه ويرثه . روي هذا القول عن النخعي ، ورويت عن النخعي رواية أخرى وهي : أن الرجل إذا أسلم على يدي الرجل ووالاه فإنه يرثه ويعقل عنه ، وله أن يتحول عنه إلى غيره ما لم يعقل عنه ، فإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول عنه إلى غيره ، هذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد .

                                                                                                                                                                              وقال حماد بن أبي سليمان : له أن يتحول عنه إن شاء ما لم يعقل عنه ، فإذا عقل عنه فليس له أن يتحول إلى غيره .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إذا أسلم على يديه ولم يواله ، لم يعقل عنه ولم يرثه . هذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد .

                                                                                                                                                                              6977 - وقد روي عن تميم الداري حديث قال به إسحاق ورفعه الشافعي وأحمد : حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرني عبد العزيز بن عمر ، عن عبد الله بن موهب ، عن تميم الداري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أسلم على يدي رجل فهو مولاه " . [ ص: 562 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد تكلم في خبر تميم الداري بعض أهل الحديث وقال : لم يروه غير عبد العزيز ، وعبد العزيز شيخ ليس من أهل الإتقان ، وقد اضطربت روايته لهذا الحديث فروى عنه وكيع وأبو نعيم عن عبد الله بن موهب قال : سمعت تميما الداري ، ورواه [ ص: 563 ] شريك وحفص بن غياث عنه ، عن عبد الله بن موهب ، عن رجل ، عن تميم . ورواه يحيى بن حمزة عنه ، عن عبد الله بن موهب ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن تميم ، ولا يدرى أسمع قبيصة من تميم أم لا؟ فلما اضطربت الأخبار خشينا أن لا يكون محفوظا فكان ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الولاء لمن أعتق " أولى بنا ودل ذلك على أن الولاء لا يكون إلا لمعتق .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وأكثر أهل العلم يقولون : لا ولاء إلا للمعتق ، كذلك مذهب مالك ، وأهل المدينة ، وابن أبي ليلى ، وكثير من أهل العراق ، والشافعي ، وأحمد .

                                                                                                                                                                              وقال بعض أهل العلم : الموالاة شبيه بحلف الجاهلية التي كانوا يتوارثون به ، وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وقال : "لا حلف في الإسلام " . وقال الحسن والشعبي : لا ولاء لذي نعمة . [ ص: 564 ]

                                                                                                                                                                              وحكي عن النعمان في الرجل يسلم على يدي رجل يواليه ثم يموت فلا وارث له غيره قال : ميراثه له . وقال ابن أبي ليلى : لا يرثه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الولاء لمن أعتق " بيان ودليل أن الولاء لا يكون إلا لمعتق .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية