الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الشاهدين يشهدان فيما يوجب قتلا أو قطعا ثم يرجعان عن الشهادة

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الشاهدين يشهدان على رجل بقتل فقتل ، أو بقطع يد فقطعت ، ثم يرجعان عن ذلك . فقالت طائفة : عليهما إن كانا عمدا ذلك ، القود في النفس والقصاص في اليد .

                                                                                                                                                                              6753 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا أبو عمر [الحوضي] قال : حدثنا أبو عوانة ، عن مطرف ، عن عامر ، أن رجلين أتيا عليا برجل فقالا : إن هذا سرق ، فقطع يده بشهادتهما ، ثم جاء برجل آخر [ ص: 367 ] فقالا : إنا أخطأنا بالأول ، وإن هذا هو السارق ، فأبطل شهادتهما على الذي جاءا به ، وضمنهما دية يد الرجل الذي قطع بشهادتهما ، وقال : لو أعلم أنكما تعمدتما قطعتكما .

                                                                                                                                                                              6754 - وحدثونا عن أبي موسى قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا أبو هلال قال : حدثنا قتادة ، عن خلاس ، أن رجلين أتيا عليا برجل فقالا : إن هذا سارق . قال : فقطعه ، ثم أتياه برجل آخر قالا : ليس ذاك . هو هذا ، فلم يقبل شهادتهما على هذا ، وأغرمهما دية الأول .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد روينا عن الحسن مثل هذا المعنى أنه قال : إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم ، ثم رجعوا وقالوا : عمدنا . قال : يقتلون .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وممن قال أنه إذا قال عمدت فعليه القود ، وإذا قال : أخطأت [فالدية] : ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأبو عبيد ، غير أن الشافعي يقول : الأولياء من قتل العمد بالخيار إن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا أخذوا الدية . [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                              وقال الليث بن سعد في قوم شهدوا على رجل أنه سرق فقطعت يده ثم نزعوا بعد ذلك قال : كان يحيى بن سعيد يقول : عليهم العقل مع النكال الوجيع . قال الليث : ولو كان إلي الرأي لرأيت أن تقطع أيديهم ، ولكن قد مضى أمر الناس بالعقل في مثل هذا .

                                                                                                                                                                              وقال أبو هاشم في أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، ثم أكذب أحدهم نفسه قال : يغرم ربع الدية .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إذا شهدا على قطع يد رجل فقضى القاضي بذلك ، ثم رجعا عن شهادتهما ، فإن عليهما الدية ، فإن رجع أحدهما فعليه نصف الدية . وسئل الأوزاعي عن رجلين شهدا على رجل بقتل فقتل ، ثم نزعا عن شهادتهما فقال : يقتلان ، وإن نزع أحدهما ضرب مائة ، وغرم نصف الدية .

                                                                                                                                                                              وذكر لأحمد قول عكرمة وحماد في أربعة شهدوا على رجل فرجع أحدهم : أن عليه ربع الدية . فقال أحمد : كذلك . وقال الشافعي : إذا رجع الرجل عن شهادته في الزنا ، وقد رجم صاحبه ، فإن النعمان قال : يضرب الحد ، ويغرم ربع الدية . وبه يأخذ .

                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي ليلى : أقتله ، فإن رجع أربعتهم قتلتهم ، ولا يغرمهم الدية ، فإن رجع ثلاثة في قول أبي حنيفة ضربوا الحد وغرم كل واحد منهم ربع الدية ، وقال الشافعي : إن رجع أحدهم وقال : عمدت ، [ ص: 369 ] وعلمت أنه يقتل . قال : الأولياء بالخيار إن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا عفوا ، وإن شاؤوا أخذوا ربع الدية ، وعليه الحد ، وهكذا الشهود معه كلهم إذا رجعوا .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الشاهدين يشهدان على رجل بأنه طلق زوجته ثلاثا قبل أن يدخل بها ، فيفرق الحاكم بينهما ثم يرجعان عن الشهادة ، فكان الشافعي يقول : يغرمهم الحاكم صداق مثلها دخل أو لم يدخل بها ، لأنهم حرموها عليه ، ولا ألتفت إلى ما أعطاها إنما [ألتفت إلى ما] أتلفوا عليه [فأجعل له] قيمته .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد زعم المزني أن هذا ينبغي أن يكون غلطا من غير الشافعي قال : ومعنى قوله : المعروف يطرح عنه من ذلك نصف مهر مثلها إن لم يكن دخل بها . وصدق; لأن الشافعي قال في كتاب الرضاع في الكبيرة ترضع الصغار : عليها نصف مهر كل واحدة منهن .

                                                                                                                                                                              وفي قول الكوفي : يرجع عليهما بنصف المهر ، فإن رجع أحدهما رجع عليه بربع المهر . وحكى أبو ثور عن الشافعي مثله .

                                                                                                                                                                              وقال ربيعة في قوم شهدوا على رجل بالطلاق ، ففرق بينهما ، ثم [ ص: 370 ] رجعوا قال : يحملون الصداق ، وبه قال أبو عبيد .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي : إذا شهدا على رجل أنه طلق امرأته ففرق بينهما ، ثم أكذبا أنفسهما ، ترد إلى زوجها ، فإن تزوجت نزعت من الزوج الآخر ، وترد إلى الأول ، ويضرب الشاهدان مائة مائة ، ويغرمان للآخر الصداق .

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيه إن كانا شهدا بمال يملك ، وأخرجوه من يده بشهادتهم إلى غيرهم ، فكان الشافعي يقول : أعاقبهم على عمد شهادة الزور ، [ولم] أعاقبهم على الخطأ ، ولم أغرمهم من قبل أني لو قبلت قولهم الآخر فكانوا شهدوا على دار قائمة أخرجتها فرددتها إليه ، لم يجز أن يغرمهما شيئا قائما بعينه قد أخرجته من ملك مالكه .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن يغرمان المال الذي شهدا به . هذا قول أصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وبه قال أحمد ، وإسحاق . وقال أصحاب الرأي : إن شهد ثلاثة نفر على رجل أن عليه ألف درهم لرجل ، فقضى بها القاضي ، ثم رجع اثنان عن الشهادة ، ضمنا نصف المال ، لأنه قد بقي نصف الشهادة ، ولو رجع أحدهما لم يضمن شيئا ، لأنه قد بقي ثم اثنان . وقال أبو عبيد : الأمر عندي أنهم لو كانوا عشرة فرجع واحد منهم كان عليه [ ص: 371 ] العشر ، ثم كذلك ما زاد أو نقص .

                                                                                                                                                                              ولو شهد رجل وامرأتان على رجل بألف فقضى بها القاضي ثم رجعوا جميعا ، فإن النعمان قال : على النساء النصف وعلى الرجل النصف ، وإن رجع الرجل وحده ضمن نصف المال ، وإن رجعت امرأة معه كان عليها ربع المال سوى النصف ، وإن لم يرجع الرجل ورجعت امرأة واحدة فعليها الربع ، لأنه بقي ثلاثة أرباع الشهادة .

                                                                                                                                                                              وإن شهد عشر نسوة ورجل على حق ، فقضى به القاضي ، ثم رجعوا جميعا ، فإن أبا حنيفة قال : على الرجل السدس وعلى النساء خمسة أسداس . وقال يعقوب ، ومحمد : على الرجل النصف وعلى النساء النصف; لأن النساء كلهن بمنزلة الرجل .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان ، ويعقوب ، ومحمد : لو رجع من النساء ثمان ، لم يكن عليهن ضمان ، لأنه قد بقي رجل وامرأتان ، ولو رجعت امرأة بعد الثمان ، كان عليها وعلى الثمان ربع المال ، لأنه بقي ثلاثة أرباع الشهادة ، ولو رجعت العاشرة ، فإن عليها وعلى النساء نصف المال ، لأنه بقي نصف الشهادة في قولهم جميعا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : العلة في تغريم الشاهدين في العتق أنهما أزالا ملك رجل عن عبده ، وكذلك إذا شهدا بعبد لرجل أخرجاه بشهادتهما من يدي مالكه ، وأزالا ملكه عنه ، ولا فرق بين إزالة الملكين عن العبد وإخراجهما من يدي الرجلين في أن يغرم كل فريق من الشهود عما أخرجاه من ملك مالكه . [ ص: 372 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية