الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم فيما يفعل بمن شهد بالزور

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم فيما يفعل بشاهد الزور ، فروينا عن عمر بن الخطاب أنه أمر أن ينكت به ويخلى سبيله .

                                                                                                                                                                              6694 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عامر قال : رأيت عمر بن الخطاب ذات عشية (أقام) شاهد الزور في إزار ينكت به ، ثم خلى سبيله .

                                                                                                                                                                              وكان شريح إذا أخذ شاهد الزور ، فإن كان سوقيا بعث به إلى سوقه ، فقال : إن هذا شاهد زور ، وإن لم يكن سوقيا بعث به إلى قومه وقال : إن [ ص: 254 ] هذا شاهد زور . وروي عنه أنه كان يقول إذا بعث به : إنا قد زيفنا شهادة هذا ، وكان سوار يأمر به يلبب بثوبه ويقول لبعض أعوانه : اذهبوا به إلى مسجد الجامع فدوروا به على حلق المسجد ينادي : من رآني فلا يشهد بزور .

                                                                                                                                                                              وكان النعمان يرى أن يبعث به إلى سوقه إن كان سوقيا ، أو إلى مسجد قومه إن كان من العرب فيقول : القاضي يقرئكم السلام ويقول : إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروه الناس ، ولا يرى عليه تعزيرا ، ورأت طائفة أن يجلد أسواطا ويوقف للناس ، كذلك قال شريح - القول الثاني - وبه قال الحسن البصري .

                                                                                                                                                                              وقال مالك بن أنس في شاهد الزور : أرى أن يفضح ويشهر ويعلن به ويوقف ، ولا أريد الحد ، وأرى أن يضرب ويشار به . وكان أحمد بن حنبل [يقول ] : يقام للناس ويعرف ويؤدب ، وبه قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : يعاقب ، ولم يجعل للعقوبة حدا .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : إذا علم القاضي يقينا أن قد شهد بزور ، عزره ولا يبلغ بالتعزير أربعين ، ويشهر بأمره ، فإن كان من أهل المسجد وقفه [ ص: 255 ] في المسجد ، وإن كان من أهل قبيلة وقفه في قبيلته ، وإن كان سوقيا وقفه في سوقه وقال : إنا وجدنا هذا شاهد زور فاعرفوه واحذروه ، وإذا أمكن بحال أن لا يكون شاهد زور أو شبه عليه بما يغلط به مثله . قيل له : لا تقدمن على شهادة إلا بعد إثبات ، ولم يعزر .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه أمر بضربه أربعين سوطا وليس ذلك بثابت عنه .

                                                                                                                                                                              6695 - حدثنا الربيع بن سليمان، قال : حدثنا حجاج - يعني ابن إبراهيم - الأزرق قال : حدثنا عيسى ، قال : حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، عن مكحول وعطية بن قيس ، أن عمر بن الخطاب ضرب شاهد الزور أربعين سوطا ، وسخم وجهه ، وطاف به في أسواق المدينة .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه حبسه يوما وخلى سبيله .

                                                                                                                                                                              6696 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، أن عمر أخذ شاهد زور ، فطاف به ووقفه للناس ، وحبسه يوما وخلى سبيله . [ ص: 256 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول خامس : وهو أن يضرب شاهد الزور خمسة وسبعين سوطا ، ولا يبعث به ، هذا قول ابن أبي ليلى .

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب آخر قوليه : أبلغ به خمسة وسبعين سوطا .

                                                                                                                                                                              وفيه قول سادس : وهو أن يضربا إذا كانا اثنين ، وقد شهدا على طلاق ففرق بينهما ، ثم أكذبا أنفسهما ، مائة مائة ، ويغرمان للآخر الصداق . هذا قول الأوزاعي . وقد روينا عن القاسم وسالم غير ذلك ، قالا في رجل وجد شاهد زور ، وقد أمر الوليد بن عبد الملك بقطع لسانه فقالا : سبحان الله! بحسبه أن يخفق سبع خفقات ، ويقام بعد العصر فيقال : هذا أبو قبيس وجدناه شاهد زور . قال : ففعل ذلك به ، وقد روينا عن عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة أنه أمر بحلق أنصاف رؤوسهم وتسخيم وجوههم وطاف بهم في الأسواق والذي شهدوا له معهم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : من شهد شهادة زور ، فاحتمل أن يكون فيها مخطئا ، أو مغفلا ، أو له مخرج مما شهد به بوجه من الوجوه ، فلا شيء عليه ، وإذا لم يكن له من ذلك مخرج ، وثبت عند الحاكم ، شهر به عند الناس لئلا يغتر به ، ولو أدبه الحاكم أدبا خفيفا كان حسنا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية