الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر شهادة النساء في العتق والجراح وغير ذلك

                                                                                                                                                                              واختلفوا في قبول شهادة النساء في العتق فقالت طائفة : لا تجوز شهادتهن في العتق ، كذلك قال الحسن البصري ، وروينا ذلك عن النخعي ، وبه قال مالك ، وأهل المدينة ، وربيعة ، والشافعي وأصحابه . وأجاز شريح شهادة النساء في العتق . وكان الزهري يقول في شهادة النساء في العتاقة : لا تجوز إلا ومعهن رجل . وقال أبو عبيد : وأهل العراق يرون شهادة النساء جائزة في النكاح ، والعتاق ، والطلاق ، وكل شيء إذا كان معهن رجل ، سوى الحدود والقصاص . وكان قتادة ، وأبو هاشم يقولان : لا تجوز شهادة النساء في قتل عمد . وقال الزهري : لا تجوز شهادة المرأتين مع الرجل في قتل ، ولا في النكاح ، ولا في طلاق ، ولا في الحدود ، وقال الشعبي : تجوز شهادتهن فيما كان من الجراحات خطأ ، وما كان من عمد فلا تجوز شهادتهن . [ ص: 324 ]

                                                                                                                                                                              وقول الشافعي كقول الشعبي في أن كل ما كان مالا فإن شهادة المرأتين مع رجل مقبولة ، وما كان من جراح عمد ، وقتل عمد فلا تجوز شهادة النساء فيه . وقد روينا عن الحسن برواية أخرى : أنه كان لا يجيز شهادة النساء في الحدود ، ويجيزها فيما سوى ذلك . وسئل مالك عن شهادة المرأتين في الوكالة إذا كان معهن رجل قال : نعم إذا كان الذي يوكل به مالا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا غير جائز في قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : أرى أن تجوز شهادة المرأتين في الدين .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : [ويحلف] المدعى عليه ، ولا يحلف المدعي مع شهادة المرأتين . وكان الأوزاعي يقول : لا تجوز شهادة النساء على وصية إلا أن يكون معهن رجل هذا لا يجوز في قول الشافعي لا تثبت الوصية عنده بأقل من رجلين وهذا إذا كان على إثبات كتاب الوصية فإن [ ص: 325 ] شهد رجل وامرأتان على أن فلانا أوصى لفلان بثلث ماله ، وجب قبول ذلك في قوله ، وهذه خلاف الأولى ، هذا يستحق به مال ، وليس كذلك إثبات كتاب الوصية .

                                                                                                                                                                              وحدثني علي ، عن أبي عبيد أنه قال في : أجمعت العلماء على شهادتهن في الأموال فلا حظ لهن فيها ، وذلك لآيتين تأولوهما فيما نرى أما آية الحدود يقول الله - جل ثناؤه - : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) فعلم أن الشهداء [ليس] يقع إلا على الذكور ، ثم أمضوا على هذا جميع الحدود من الزنا ، والسرقة ، والقذف ، وشرب الخمر .

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : وكذلك القصاص كله في النفس وما دونها ، وأما آية الأموال : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ) ، إلى قوله : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) ثم أمضوا على هذا جميع الحقوق ، والمواريث ، والوصايا ، والودائع ، والوكالات ، والديون ، فلما صاروا إلى النكاح ، والطلاق ، والعتاق ، لم يجدوا في هذه الحال تطابقا لولا ما وجدوا في تلك الآيتين فاختلفوا في التأويل فشبهها قوم بالأموال ، ثم أجازوا شهادة النساء فيها ، وقالوا : ليست بحدود ، [ ص: 326 ] وإنما توجب المهور ، ونفقات النساء ، وأثمان الرقيق ، وأبى ذلك الآخرون ، ورأوها كلها حدودا; لأن بها يكون استحلال الفروج وتحريمها .

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : وهذا القول الذي نختار; لأن تأويل القرآن يصدقه ، ألا تسمع قوله حين ذكر الطلاق ، والرجعة فقال : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) . فخص بها الرجال ، ولم يجعل للنساء فيها حظا ، كما جعله في الدين لهن ، ثم أبين من ذلك أنه سماها حدودا فقال : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) وكان هذا أكثر من التأويل ، فالأمر عندنا عليه : أن لا تجوز شهادة النساء في نكاح ولا طلاق ولا رجعة ، وكيف يقبل قولهن في هذه الخلال على غيرهن ، وهن لا يملكنها من أنفسهن ، ولم يجعل الله - جل وعز - إليهن عقد نكاح ولا ذكره ، ألا ترى أن الله - جل جلاله - خاطب الرجال بذلك دونهن فقال في الطلاق : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ) وقال في الرجعة : ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ) وقال في النكاح : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) فهذه الآية هي الأصل عندنا في نكاح الأولياء ، لأنه لو لم يكن لهم فيه حظ ، ما كان لنهيهم عن ذلك معنى ، ويروى في التفسير أن الآية نزلت في معقل ابن يسار ، وكان منع أخته التزويج ، ثم أوضحته السنة ، وكذلك الآية الأخرى ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا نكاح إلا بولي " . [ ص: 327 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : والعتاق عندنا مثل ذلك كله ، لا تجوز فيه شهادتهن لما يدخل في ذلك من تحليل الفروج وتحريمها .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : لا تجوز شهادة النساء إلا في موضعين : في المال ، وحيث لا يرى الرجل من عورات النساء هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن مكحول أنه قال : لا تجوز شهادة النساء إلا في الدين . وعن الحسن البصري أنه قال : لا تجوز شهادة المرأة إلا في الاستهلال وأشباهه مما لا يحضره الرجال . وكان شريح يجيز شهادة النساء على الاستهلال ، وما لا ينظر إليه الرجل . وكان أبو ثور يقول : تجوز شهادة النساء في الحقوق من الديون ، والمواريث ، والهبة ، والصدقات وغير ذلك ، ولا تجوز في النكاح والطلاق . وكان الأوزاعي يقول : في شهادة النساء على أصل النكاح والمهر : إن كان شهادتهن وقعت على المهر مع عقدة النكاح فلا شهادة لهن ، وإن كن يشهدن مع رجل على اعترافه من بعد عقدة النكاح أنه تزوجها بكذا وكذا من المهر ولا أراها إلا جائزة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والذي أقول به أن شهادة النساء جائزة في الديون والأموال ، ولا تجوز شهادتهن في شيء من ذلك إلا ومعهن رجل ، فإن انفردن فشهدن لرجل بمال ، وإن كثرن لم تجز شهادتهن إلا ومعهن رجل ، وتجوز شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال من عورات النساء . [ ص: 328 ]

                                                                                                                                                                              وأجمع أهل العلم على أن شهادتهن غير جائزة في الحدود ، فلا تجوز شهادتهن في النكاح ، والطلاق ، والعتاق ، لأنا لم نجد دلالة توجب قبول شهادتهن في شيء من ذلك .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية