الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر دعوة التوءم بعد البيع

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا حبلت الأمة عند الرجل ، فولدت عند المشتري ولدين في بطن واحد لأقل من ستة أشهر جميعا ، أو أحدهما فهو سواء ، فإن ادعى البائع أحدهما أو كليهما ، فإن ثبت أنه كان يطؤها قبل البيع فهما جميعا ولده ويفسخ البيع وترد الأمة إليه ، وتكون أم ولده ويرد على المشتري الثمن إن كان قبضه ، فإن أعتق المشتري أحد الولدين أو كليهما فالعتق باطل ، ويردون إلى البائع وتكون أم ولده ولا تعتق بعتق المشتري ، وذلك أن البيع لم يتم فيها ولا يجوز عتق ما لا يملكه المرء . وهذا قول أبي ثور . وقال النعمان : دعوة البائع فيهما جائزة ، وعتق المشتري أحدهما باطل ، فترد الأم فتكون أم ولد للبائع ، ويرد الثمن . ثم قال : وإن كان المشتري أعتق الأم جاز عتقه ، ولم ترجع إلى البائع رقيقا ، ولا تشبه الأم بهذا الولد ، وكذلك لو كان دبرها . قال : وإن كان باع أحد الولدين فأعتقه المشتري ، ثم ادعاهما البائع الأول جازت دعوته ، وكان عتق المشتري باطلا . [ ص: 188 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : من حيث ثبت نسب الولد بدعواه ثبت أنها أم ولد له ، ومن حيث أبطل عتق المشتري أحد الولدين وجب أن يبطل عتق المشتري من ذلك الوجه للأم ، لأنها تصير أم ولد له بثبوت نسب الولد منه ويبطل ذلك إذا بطل دعواه لا فرق بين ذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولو كان أحد الولدين فأعتقه المشتري ، ثم ادعاهما البائع الأول على ما وصفنا من وطئه قبل البيع ، جازت دعوته وبطل عتق المشتري ، ولو كان أحد الولدين جنيت عليه جناية فأخذ المشتري أرشها ، ففقأ رجل عينه أو قطع يده ، ثم ادعاها البائع كانت دعوته جائزة ، وكان الأرش الذي أخذه المشتري باطلا ، ويرجع البائع على الجاني بدية ما جنى دية حر ، ويرد المشتري الأرش الذي قبضه على الجاني ، ويرجع المشتري بالثمن إن كان قبضه البائع عليه . وهذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                                                              ولو قتل أحدهما ثم ادعاه البائع ثبت نسبه منه ، وكان ولده ، ويرجع على القاتل بدية حر إن كان خطأ ، وإن كان عمدا ففيه القود . وهذا قول أبي ثور ، وقال أصحاب الرأي : إذا جنى على أحد الولدين جناية ففقأ عينه أو قطع يده فأخذ المشتري أرشها ، ثم ادعاهما البائع كانت دعوته جائزة ، وكان أرش ذلك الجرح للمشتري ثم قالوا : ولو كان أحدهما قتل ثم ادعاهما البائع ، فإن نسبهما يثبت من البائع وتكون قيمة المقتول لورثة المقتول ويصدق المدعي على القيمة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ما الفرق بين قيمته ، وبين أرش جناية جنيت عليه ، ما بينهما فرق . [ ص: 189 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولو كان المشتري أعتق أحد الولدين فقتل فأخذ ديته وميراثه بالولاء ، ثم ادعاهما البائع فألحق به نسبهما ، وصارت الأم أم ولد ، فإنه يرجع على المشتري بالدية والميراث ، ويرجع عليه المشتري بالثمن ، وهذا قول أبي ثور ، وقال أصحاب الرأي : يقضى بالحي منهما وبأمه له ، ويلحق نسبه ونسب المقتول به ، ولا يصدق على الدية والميراث الذي قد وجب للمشتري ، ولو لم يقتل ولم يمت صدق عليه ورجع النسب إليه وبطل عتق المشتري وولاؤه . قال أبو ثور : إذا كان حمل واحد فصدق على أحدهما لما لا يصدق على الآخر وهو يلحق نسبه به ؟ فلو جاز أن يفرق بين حمل واحد جاز أن يدعي أحد الولدين دون الآخر ، فإن لم يجز أن يفرق بينهما (ما فعل) لم فرق فيهما .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا ولدت الأمة ولدين في بطن لم يكن أصل الحمل عند المولى فباع أحدهما ثم ادعى الآخر ، والذي باع جميعا وقد أعتق المشتري الذي اشترى ، فإن دعوته قد ثبتت وثبت نسبه منهما ؛ لأن هذين ليس لهما نسب يعرف ولا ولدا على فراش أحد ولا في ملكه ، بل ولدا في ملك الرجل فادعى أنهما ابناه ثبت نسبهما منه ، ولا ينقض البيع ؛ لأن النسب لم يثبت بسبب . وقال مرة أخرى : بسبب كان في ملكه فيكون بيعه باطلا . وكذلك قال أبو ثور وأصحاب الرأي . وقالوا جميعا : وإذا كانت أمة في يد [رجل ] ، وفي يده ولد لها وفي يد [ ص: 190 ] آخر ولد لها آخر ، فادعى الذي في يده الولد أن الولدين جميعا [ولداه ] ولدا له من هذه الأمة في بطن واحد ، وأن الأمة أمته وأقام على ذلك بينة ، فأقام الذي في يده البينة على مثل ذلك ، فإن الأمة والولدين يقضى بهما للذي الأمة في يده ، وذلك أن الولاد لا يكون إلا مرة واحدة فلما تدافعت البينتان كانت الأمة في يد الذي هي في يده . وحكم على الآخر الذي في يده الولد برد الجارية إذا كان ولدها وكان الفراش أحق من غيره .

                                                                                                                                                                              وقالوا جميعا : إذا كانت الأمة في يد رجل ، وفي يده ولدها ، وجاء آخر يدعيها ولا يدعي ولدها أنه ابنه وفي يده ابن آخر لها يدعي أنه ابنه ، فأقام الذي يدعي البينة أن الأمة له ، وأن الابن الذي في يده ابنه ولدته ، فإن أقام الذي في يده الأمة بينة أن هذه الأمة أمته ولدت هذا الولد الذي في يده منه ، والولدين في بطنين مختلفين ، وليس يدعي كل واحد منهما الولد الذي في يد صاحبه ولم يعلم أيهما أكبر ، فإنه يقضي لكل واحد منهما بالولد الذي في يده ويقضى بالأمة للذي هي في يديه ؛ لأن البينتين قد تدافعتا .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا كانت أمة في يد رجل له منها ولد ، فادعى آخر أن الأمة للذي هي في يديه ، وأنه زوجها إياه ، وأنها ولدت في ملكه على فراشه ولدا هو بيديه ، وأقام الذي هو في يديه البينة أن هذه الأمة لهذا المدعي ، وأنه زوجها إياه ، وأنها ولدت على فراشه هذا الولد الآخر . فإنه يقضي لكل واحد منهما بالولد الذي هو في يديه ، وأما الأمة فكل واحد منهما يزعم أنها ملك لصاحبه ، فأيهما مات منهما فهي حرة ، [ ص: 191 ] وذلك أن كل واحد منهما قد أولدها ، وتكون في يد الذي هي في يديه فلا يطأها واحد منهما ؛ لأن كل واحد منهما يدعي أن صاحبه زوجه وصاحبه ينكر ذلك . فقال أصحاب الرأي : يقضى لكل واحد منهما بولده الذي هو في يديه وتكون الأمة موقوفة في يدي الذي هي في يديه ، ولا يطأها أحد منهما وأيهما مات عتقت .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : وإذا كانت الأمة في يد رجل ، وله منها ولد ، فادعى آخر أنه تزوجها بغير إذن مولاها ، وأنها ولدت منه على فراشه هذا الولد الذي في يد مولاها بعدما تزوجها ببينة ، وأقام على ذلك البينة ، وأقام المولى البينة بأنه ولد على فراشه من أمته هذه . فإنه ابن المولى ولا يكون للمدعي شيء ، وإن علم أن هذا لا يحل له كان محدودا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر وعليه الحد " . وكذلك قال ابن عمر ، وكذلك الأمة إذا علمت أن هذا لا يحل لها كانت عاهرة عليها الحد . وقال أصحاب الرأي : [ ص: 192 ] يقضي بالولد للزوج ويثبت نسبه منه ، ويعتقه بإقرار المولى ، ويجعل أمه أم ولد إذا مات المولى عتقت . وقال أبو ثور : هذا خطأ وخلاف السنة والقياس والمعقول ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم في ابن وليدة زمعة وقد ادعى عتبة ، وكان وطؤه بشبهة ، وهو لا يعلم أن ذلك مما لا يجوز ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم دعوته وقضى بالولد للفراش ثم قال الجاهل : أجعله ابن الزوج وأثبت نسبه وأعتقه ، فإن كان ابن أمته قد يقر الأب الذي ألحقه به أنها أمته ، وأبطل قول المولى أنه ولده لم تعتق عليه ، وله نسب معروف ، ولم جعلها أم ولده وهو لا يلزمه الولد ، فأعتق عليه الابن ، ومنعه من بيع الجارية ، وجعلها تعتق عليه إذا مات ، وإنما جعل خطأه ردا على خطأ له آخر زعم أن رجلا ابن ثلاثين سنة وله عبد ابن خمسين سنة قال لعبده : هو ابني والعبد أكبر منه بعشرين سنة أنه يعتق عليه فإقراره أنه ابنه ولا يلحق نسبه .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية