الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر شهادة الطفل غير البالغ

                                                                                                                                                                              واختلفوا في شهادة الصبي غير البالغ .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : لا تجوز شهادته ، لأنه ليس ممن نرضى ، وإنما قال الله - جل وعز - : ( ممن ترضون من الشهداء ) .

                                                                                                                                                                              6705 - أخبرنا محمد بن عبد الوهاب قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس في شهادة الصبيان قال : قال الله : ( ممن ترضون من الشهداء ) وليسوا ممن نرضى .

                                                                                                                                                                              وقال القاسم بن محمد وسالم في غلام شهد : إن كان أنبت فأجز شهادته . [ ص: 271 ]

                                                                                                                                                                              وقال مكحول : إذا بلغ الغلام خمس عشرة جازت شهادته .

                                                                                                                                                                              وكان عطاء بن أبي رباح ، والشعبي ، وشريح، والحسن البصري لا يجيزون شهادته ، وهذا قول ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق، وأبي ثور ، وأبي عبيد والمزني ، والنعمان وأصحابه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : تجوز شهادتهم في الجراح وفي الدم .

                                                                                                                                                                              6705 - م حدثنا محمد بن إسماعيل، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : كتبت إلى ابن عباس وإلى ابن الزبير في شهادة الصبيان ، فقال ابن عباس : ليسوا ممن أمرنا أن نقبل شهادتهم . وقال ابن الزبير : إن أخذوا عند مصاب صاحبهم فبالحري أن يعقلوا ويحفظوا ما رأوا ، وإن تفرقوا فليسوا ممن أمرنا أن نقبل شهادته . قال : فأخذ الناس بقول ابن الزبير .

                                                                                                                                                                              وكان شريح يجيز شهادتهم في السن والموضحة (وينأى بهم) فيما سوى ذلك ، وكان النخعي يجيز شهادتهم في الجراحات والدم . وقال [ ص: 272 ] أبو الزناد : السنة في شهادة الصبيان أن يؤخذ بقولهم في الجراح ، ولا يلتفت إلى ما أحدثوا . قال : وبذلك كان يقضي عمر بن عبد العزيز . وقال النخعي : تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما يخلون به بينهم . وقال الحسن البصري : تجوز شهادة الصغار بعضهم على بعض إذا فرق بينهم . وقال الزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن : تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض . وقال عروة بن الزبير : تجوز شهادتهم إذا لم يكن معهم غيرهم ويؤخذ بأول قولهم .

                                                                                                                                                                              6706 - حدثونا عن أبي موسى محمد بن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو أن علي بن أبي طالب كان يجيز شهادة الصغير على الصغير .

                                                                                                                                                                              وقال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم في الجراح ، ولا تجوز في غير ذلك ، وإنما تجوز شهادتهم قبل أن يتفرقوا ويخببوا ويعلموا ، فإذا تفرقوا فلا شهادة لهم إلا أن يكونوا قد أشهدوا العدول على شهادتهم قبل أن يتفرقوا ، وقال مالك في صبيان ستة في بحر ، فغرق وليد منهم ، فشهد ثلاثة من الصبيان على اثنين أنهما غرقاه ، وشهد اثنان على ثلاثة أنهم غرقوه . قال : عليهم القتل كلهم ، ولا تقبل شهادة بعضهم على بعض ؛ لأن كل واحد منهم يدرأ عن نفسه . [ ص: 273 ]

                                                                                                                                                                              وقال الزهري في شهادة الغلمان قال : جائزة ، ويستحلف أولياء المشجوج . وقال الأوزاعي : فإن أبوا أن يحلفوا ، استحلف الآخرون .

                                                                                                                                                                              فإن أبوا فنصف العقل . قال الزهري : أجاز مروان شهادة الغلمان ، وجعل على أولياء المجروح اليمين .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن الزهري أنه قال : أرى شهادتهم في النكاح جائزة والوصية . وكان يقول : مضت السنة أن لا تجوز شهادتهم في حدود .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن ابن سيرين أنه قال : تكتب شهادتهم ويستثبتون .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد احتج الشافعي لقوله : بأن الرضا إنما يقع على العدول منا ، ولا يقع إلا على البالغين ، لأنه إنما خوطب بالفرائض البالغون دون من لم يبلغ ، وإذا لم يلزمه أكثر الفرائض في نفسه لم يلزم غيره فرضا بشهادته .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية